للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عشر فصلا، وسمىّ كل فصل مقامة تحكى جانبا من سيرة الوالى العثمانى محمد بكداش (١١١٧ - ١١٢١ هـ‍) والمقامة الأولى أو الفصل الأول فى نبذة من أخلاق محمد بكداش، ثم تتوالى المقامات أو الفصول عن أعماله. والصلة الوحيدة بين الفصول وبين المقامة هو تسمية فصولها مقامات، أما بعد ذلك فهى ترجمة متكاملة لسيرة وال عثمانى وكل ما يمكن أن يكون بينها وبين المقامة من شبه هو كتابتها سجعا، وقديما كتب العتبى المتوفى سنة ٤٢٧ هـ‍/١٠٣٥ م سيرة محمود الغزنوى سجعا فى كتابه عنه الذى سماه اليمينى نسبة إلى لقب محمود الذى لقبه به الخليفة العباسى: يمين الدولة، ونسج على منواله العماد الأصبهانى فى كتابه: «الفيح القسّى فى الفتح القدسى» وفيه يصف بإسهاب فتح صلاح الدين لبيت المقدس سجعا. ولم يقتبس محمد بن ميمون فى كتابه من أسلوب المقامات السجع وحده، فقد اقتبس أيضا ألفاظا لغوية وأنواعا بديعية كما قال فى مقدمته.

ويقدم ابن حمادوش الجزائرى المتوفى بأخرة من القرن الثانى عشر الهجرى ثلاث مقامات فى رحلته المنشورة بالجزائر بتحقيق د. أبى القاسم سعد الله، وأولاها تصف الطريق من تطوان إلى مكناس وما رآه فيها من غرائب، يقول (١):

«ومن غريب ما رأيت فى مرج طويل أنى رأيت غرّتين، كل واحدة فى أفحوصها (٢) فوق الماء، تحضن بيضها، وشهد أهل الحى كبيرهم وصغيرهم أن الغر وأبا غطاس وطيورا أخرى لا تلد إلا فوق الماء فى الموضع الذى يكون عليه كقطعة حصير من الكلأ (٣)، يبنون به أفحوصهم ويبيضون ويفرخون، ولا يمسّ بيضهم الماء، وإن مسّه الماء فسد، وهو يبنى بناء صحيحا جدا. وأتونا ببيض الغرّ، معظمه كبيض الدجاج، ولونه كلون بيض الحجل (٤)، إلا أنه أشد بياضا من بيض الحجل، وفيه نقط سود. والغر طائر قدر الدجاج أسود اللون وبين عينيه غرة بيضاء. . ومن غرائب ما رأيت أن فى هذا المرج قوارب يصطادون بها السمك والطير وبيضه، ويعدّون (يجتازون) عليها من ناحية إلى أخرى، ويحملون عليها أحمال الزرع وغيره، وهى من حزم البردى (٥)، يعقدون حزمة بحبال الدوم الرقاق ويجعلونها وسطى، ويعقدون حزمتين، يجعلون من كل ناحية واحدة عالية يمينا وشمالا، ووسطها منخفض، ويجمعون بينها بالربط من مقدمها، ويشدّون الكل بالربط بينها. ويركب فيها، ويمسك الراكب فى يده عودا طويلا يكتدّ (٦) به ولا يقذف».


(١) رحلة ابن حمادوش الجزائرى (طبع المكتبة الوطنية بالجزائر) ص ٧٣.
(٢) أفحوص الطائر: مكان بيضه ورقاده عليه-والغرّ نفس الطائر المعروف فى مصر.
(٣) الكلا: العشب.
(٤) الحجل: طير فى حجم الحمام.
(٥) قوارب النيل والبحيرات فى الدلتا كانت تصنع أيضا من البردى أيام الفراعنة.
(٦) يكتد بالعود: يدفع القارب بعود فى يده وعلى صدره كما فى مصر حين يقترب من البر.

<<  <  ج: ص:  >  >>