للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى أن مات، فكتب للخليفة يوسف بن عبد المؤمن مكانه، وقد يدل ذلك على أن القالمى- لا الخليفة يوسف-هو الذى استدعاه-ربما لمعرفته المظنونة بأبيه القاضى مواطنه أو لمعرفته بفضله. ويقول الغبرينى إنه ولد سنة ٥٤٠ هـ‍/١١٤٥ م أو قبلها بقليل، وتوفى سنة ٥٩٨ هـ‍/١٢٠١ م غير أن المراكشى فى المعجب يقول إنه كتب للخليفة يعقوب الموحدى بعد كتابته لأبيه يوسف، ولم يزل كاتبا له إلى أن توفى. ويقول أيضا إنه كتب ليعقوب بعد وفاته أبو عبد الله بن عياش، وفى التكملة (١) أن يعقوب استكتب ابن عياش فى سنة ٥٨٦ هـ‍/١١٤٠ م وكأن هذه هى السنة التى توفى فيها ابن محشرة لا سنة ٥٩٨ كما توهم الغبرينى.

ولابن محشرة فى مجموع رسائل موحدية تسع رسائل: رسالة على لسان الخليفة يوسف الموحدى سنة ٥٧٦ هـ‍/١١٨٠ م وثمان على لسان الخليفة يعقوب الموحدى تبدأ فى سنة ٥٨٠ وهى السنة التى توفى فيها أبوه واستولى على صولجان الحكم، والرسالة الأولى موجهة من الخليفة يوسف الموحدى إلى الطلبة والموحدين والشيوخ والأعيان والكافّة بقرطبة يخبرهم فيها بأنه قام بحركة مباركة فى سنة ٥٧٥ إلى إفريقية التونسية استولى فيها على قفصة جنوبى تونس وقضى على ثائر بها وأنه اجتمع إلى سادة قبائل رياح وشيوخها فى تلك الرحلة وأنه أغراهم بارتحال قبائلهم إلى الأندلس لجهاد نصارى الإسبان مذكرا لهم بجهاد آبائهم فى الفتوح الإسلامية، وأنهم لبّوا دعوته، يقول ابن محشرة على لسانه (٢):

«جمع أشياخ العرب وأعيانهم والمشار إليهم من رؤسائهم ووجوههم وكبرائهم من جميع قبائل رياح (الهلالية) فذكّروا بحقوق هذا الأمر العظيم وآلائه الجزيلة ومننه الجسام، ونبّهوا إلى ما كان لسلفهم من العرب من كريم السوابق فى أول الإسلام، وعرّفوا أن الغرض منهم إنما هو غزو الروم الذين بجزيرة الأندلس، فقد طال استشراؤهم (٣)، وأملى الله لهم فزاد عليه اجتراؤهم. وندبوا إلى أن ينفروا إلى ذلك بقضّهم وقضيضهم (٤)، نفرة من انبتّ (٥) عن الوطن، ونبذ علق المسكن والسكن، وإن كانت هذه البلاد هى التربة التى مسّت أولا جلودهم، وقضوا فيها من الشباب عهودهم، فالذى ينتقلون إليه من الرّباط فى سبيل الله يجمع لهم الخير فى الدين والدنيا، والشرف بالكون فى عداد كلمة الله العليا. . وذاكرنا الجماعة المذكورة فى ذلك ذكرى أفضت إلى قلوبهم، وخلصت إلى نفوسهم، وتغلغلت (٦) فى بواطنهم، فتحركت إلى ذلك حفائظهم (٧)، ومارت (٨) لنصر دين الله عزائمهم. . وقد سالت بهم


(١) التكملة (طبع مدريد) رقم ٩٥٢.
(٢) مجموع رسائل موحدية ص ١٥٢ وما بعدها.
(٣) استشراؤهم: اشتداد شرهم وتفاقمه.
(٤) بقضهم وقضيضهم: بجميعهم ينقض آخرهم على أولهم ويندفع.
(٥) انبت: انقطع، وفى الأصل: أبنت.
(٦) تغلغلت: تعمقت، وفى الأصل: تقلقلت.
(٧) حفائظ جمع حفيظة: الحمية والغضب.
(٨) مارت: تحركت، وفى الأصل: ثارت.

<<  <  ج: ص:  >  >>