التونسية والبلاد المغربية، وبذلك تبعتهم نوميديا بما تشمله من الصحارى فى غربى الجزائر وشرقى المغرب الأقصى حتى نهر الملوية وإلى الجنوب حتى سجلماسة ويقال إن قائدا رومانيا بناها وسماها سيجيللوم ماسة، وحرّف الاسم مع الزمن إلى سجلماسة، وبنى قواد آخرون مدنا فى نوميديا الجزائرية على نحو ما صورنا ذلك فى حديثنا عن تاريخها القديم.
وكما مدت روما ولاءها على المدن الجزائرية الفينيقية مدّته أيضا على مدن الفينيقيين فى المغرب الأقصى: مليلة وطنجة وأصيلا، وكان حكامها من البربر سكانها يتخذون عاصمة لهم طنجة. وكان المغرب الأقصى شرقى نهر الملوية يسمى موريتانيا الغربية، أما موريتانيا الشرقية فكانت تتداخل مع نوميديا. وربما كان أهم حاكم قديم لموريتانيا الغربية هو بوكوس الأول، وإليه أصهر يوغورطة حاكم نوميديا، ودخل يوغورطة فى حروب مع الرومان فأعانهم فى القبض عليه سنة ١٠٦ قبل الميلاد فخلفه ابنه بوكوس الثانى حتى سنة ٣٣ قبل الميلاد. واستولى عليها الرومان بعده، وفى سنة ١٧ قبل الميلاد جعلوا عليها بويا الثانى صاحب نوميديا، وخلفه عليها ابنه بطليموس حتى سنة ٤٠ للميلاد، ثم جثم الرومان على المغرب جميعه. ونرى الرومان ينشئون فى المغرب الأقصى مدنا على ساحل البحر المتوسط مثل سبتة القريبة من جبل طارق وكانوا يسمونها «سيفيتاس» واتخذوها مقرا لحكومتهم الرومانية فى المغرب الأقصى، فهى متحضرة من قديم، وعمالها مهرة فى صناعة النحاس والشمعدانات، وخارجها بساتين وحدائق بديعة. ولم يكتف الرومان بما كان على المحيط للفينيقيين من مدن مثل طنجة وأصيلا، فقد توغلوا على ساحله إلى موقع سلا وبنوا فيه مدينتها قرب نهر أبى الرقراق على مسافة ميلين من المحيط، بل توغلوا أكثر من ذلك إلى إقليم تامسنة، وبنوا على ساحل المحيط مدينة أنفة مدينة الدار البيضاء الآن، وهى فى سهل خصب صالح لزراعة كل أنواع الحبوب. وجاس الرومان خلال ديار المغرب الأقصى، بدليل أننا نجدهم يتفرجون على منطقة فاس وما بها من زروع مزدهرة، وأعجبهم بجوارها جبل زرهون الذى يمتد نحو الغرب ثلاثين ميلا ويمتد عرضه إلى عشرة أميال، وهو مغطى بأشجار الزيتون، وقد بنوا فوق قمته مدينة وليلى، والأرض حولها مزدانة بمزارع وبساتين بديعة، وكان الوالى الرومانى يقيم إما فى هذه المدينة وإما فى مدينة سبتة. وأرهق الرومان سكان المغرب الأقصى بكثير من العسف والضرائب الباهظة، وكانوا ينهبون خيرات الأرض من الحبوب والزيتون وعصيره. ولما اعتنقت روما الديانة المسيحية واتخذتها دينها الرسمى حاولت نشرها فى أرجاء إمبراطوريتها والبلاد المغربية، غير أن من اعتنقوها من المغرب الأقصى كانوا قلة شديدة فى المدن الساحلية، وأكثرهم كان من الجاليات الرومانية والأجنبية.
وظل البربر يقومون بفتن وثورات كثيرة فى أيام الرومان لكثرة مظالمهم وفداحة ما كانوا يفرضونه من الضرائب على الشعب البربرى وأبنائه، وأخذت دولتهم تضعف منذ القرن الثالث