للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هل حبل خولة بعد الهجر موصول ... أم أنت عنها بعيد الدار مشغول

ويمضى فيذكر جهاد المسلمين للفرس، يقول:

يقارعون رءوس العجم ضاحية ... منهم فوارس لا عزل ولا ميل (١)

ويحدثنا عن هجرته مع قومه وأنهم إنما يبتغون ثواب الله، يقول:

نرجو فواضل ربّ سيبه حسن ... وكل خير لديه فهو مقبول

ولكنا نصدم فى آخر القصيدة بوصفه المسهب لمجلس شراب، ومن ثمّ كنا نقطع بأن للقصيدة أصلا قديما يتصل بحياة الجاهليين الوثنية وما كانوا يحلّون من خمر. وقد أضيفت إلى هذا الأصل قطع جديدة، تتصل بالهجرة فى سبيل الله ورسوله ووصف معارك العرب مع الفرس.

وعلى هذا النحو نستطيع دائما أن نجمع كثيرا من الأشعار التى نظمت فى كل معركة، سواء مع الفرس أو مع الروم، وإن ما تطفح به كتب الصحابة مثل الاستيعاب والإصابة وكتب التاريخ مثل الطبرى وكتب الأدب مثل الأغانى وكتب الجغرافية مثل معجم البلدان لياقوت ليؤلف للعرب فى الفتوح ملحمة ضخمة. ولم تكن كلها أشعارا حماسية، ففيها مراث رائعة لبعض من كانوا يفقدونهم، من ذلك قصيدة كثير بن الغريزة التميمى يرثى بها من أصيبوا فى معارك الطّالقان وجوزجان لعهد عمر بن الخطاب، وفيها يقول (٢):

سقى مزن السحاب إذا استهلّت ... مصارع فتية بالجوزجان

وما بى أن أكون جزعت إلا ... حنين القلب للبرق اليمانى

وربّ أخ أصاب الموت قبلى ... بكيت ولو نعيت له بكانى

وعبّروا فى أثناء ذلك عن حنين بالغ إلى ديارهم وأهليهم. وبجانب هذا الحنين والرثاء نجد بعض الشعراء يتحدثون عن بلائهم فى المغازى بعامة، على نحو


(١) يقارعون: يضاربون. العجم: الفرس. العزل: جمع أعزل وهو من لا سلاح معه. الميل: جمع أميل وهو الذى لا يحسن ركوب الخيل.
(٢) أغانى (طبعة دار الكتب) ١١/ ٢٧٨ حيث سرد أبو الفرج القصيدة فى ترجمته وانظر فيه الإصابة ٥/ ٣١٨ والخزانة ٤/ ١١٨ ومعجم الشعراء ص ٢٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>