للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما نجد عند زياد بن حنظلة فى وصفه لمغازى الشام لعهد عمر وما أفاءه الله على المسلمين (١) ويروون أنه كان لأوس (٢) بن مغراء «قصيدة طويلة ذكر ما كان فيها من بلائهم فى الفتوح وفخر فيها بقريش لم يقل أحد أحسن منها» ومن قوله فيها:

محمّد خير من يمشى على قدم ... وكان صافية لله خلصانا

ويمكن أن نضم إلى هذه الأشعار شكوى بعض الجنود من الولاة والعمال حين يخونون فيما ائتمنوا عليه، على نحو ما نجد عند يزيد بن الصّعق، فقد أرسل بشكوى طويلة إلى عمر بن الخطاب من أصحاب الخراج، يقصّ عليه كيف أثروا ثراء غير مشروع من أعمالهم التى يتولونها ومما يأخذون لأنفسهم من المغازى، وفيها يقول (٣):

نؤوب إذا آبوا ونغزو إذا غزوا ... فأنّى لهم وفر وليس لنا وفر

وقد وصفوا كثيرا مما شاهدوه فى فتوحهم من المعاقل والحصون والحيوان كالفيل، وتحدثوا عما نزل بهم من طواعين (٤).

وهناك أشياء لا بد أن نلاحظها فى هذه الأشعار الكثيرة التى رويت عنهم فى مغازيهم وفتوحهم، لعل أهمها أنها طبعت بطابع الآداب الشعبية، سواء من حيث نسيجها العام أو من حيث قائلوها ومن نسبت إليهم. أما من حيث النسيج فإنها لا تبلغ من المتانة مبلغ الأشعار التى نسبت فى العصر نفسه إلى الشعراء المجوّدين، وأما من حيث القائلون فإن كثيرا منهم يكاد يكون مجهولا، لسبب بسيط وهو أنه من عامة الجند. ومن ثمّ اختلف الرواة فى نسبة كثير من الأشعار إلى أصحابها. ويكثر أن يرسل الراوى الشعر إرسالا بدون نسبته إلى شاعر بعينه، وينصّ الطبرى على قطعتين كانت تتجاوب بهما الآفاق فى الجزيرة العربية ولا يعرف من نظمهما، ويعقّب عليهما بقوله: «وسمع بنحو


(١) طبرى ٣/ ١٠٨.
(٢) انظر ترجمته فى الأغانى (طبعة دار الكتب) ٥/ ٨ والشعر والشعراء ٢/ ٦٦٨ والإصابة ١/ ١١٨ وابن سلام ص ٤٤٥ وفى مواضع متفرقة والموشح ص ٦٥ وما بعدها.
(٣) فتوح البلدان ص ٣٧٧.
(٤) الحيوان ٤/ ١٣٧ والإصابة ٣/ ١٤، ٥/ ٦٠

<<  <  ج: ص:  >  >>