للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك فى عامة بلاد العرب (١)». وكأن طائفة من شعر الفتوح تحولت إلى ما يشبه الأمثال التى يبدعها الشعب، فناظمها لا يعرف كما لا يعرف مرسل المثل لأنه من أبناء الشعب وأبناء الشعب قلما ذكروا أو مجّدوا بل إنه لا يعنيهم أن يذكروا أو يمجّدوا، إذ هم آخر من يهتم بهذا الفضل.

ويسود فى هذا الشعر الإيجاز، فهو شعر اللمحات السريعة والمواقف الخاطفة، وجمهوره لذلك مقطوعات قصيرة، يجرى فيها الشاعر على سجيته دون تدقيق فى معنى أو تنقيح للفظ أو التماس وزن أو قافية. إنه يعبر عن خاطر التحم بصدره دون معاناة أو مكابدة، ويرمى به فى سرعة كما يرمى بسهمه أو يضرب بسيفه، غير مفكر فى تنقيح ولا فى تصفية أو تهذيب، ولذلك كانت تشيع فيه البساطة وعدم التكلف لما يعترض صاحبه من شواغل الجهاد التى تحول بينه وبين إطالة الفكرة كما تحول بينه وبين المعاودة للفظ وتجويده وتحبيره.

وملاحظة أخيرة، وهى أن قصصا كثيرا عن أبطال الفتوح وجهادهم فى حروب الفرس والروم أضيف إلى هذه الأشعار. وقد حمل لنا ياقوت فى معجمه كما حملت كتب التاريخ والأدب أطرافا منه كثيرة. ومن غير شك خضع هذا العمل كله لمخيلة القصّاص فزادوا فى القصص والأشعار ما اتسع له خيالهم.

ولكن مهما يكن فلهذا كله أصل صحيح، وهو أصل ضخم إذ كان الشعر يتدفق على ألسنة الفاتحين، وكانوا ينشدونه فى كل موقف وكل معترك، مقصّدين له حينا وراجزين أحيانا أخرى، وطبيعى أن يشيع فيه الرجز، لأنه كان فعلا الوزن الشعبى الذى ينظم فيه عامة العرب.


(١) طبرى ٣/ ٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>