عماه: يحيى وإدريس، وسرعان ما نازله جيش عباسى فى مكان على بعد ثلاثة أميال من مكة يقال له:«فخ» ودارت الدوائر على الحسين ومن معه فقتل فى المعركة مع جماعة من أهل بيته، وفر عمه يحيى إلى الدّيلم، أما عمه إدريس ففر إلى مصر، وكان على بريدها يومئذ شخص اسمه واضح، وكان يتشيع، فأتاه إلى مخبئه، ووجد معه مولاه راشدا فنصحهما أن يحملهما على البريد إلى المغرب الأقصى بعيدا عن المهدى وعيونه، وأخذا بنصيحته، ونزلا فى ربيع الأول سنة ١٧٢ هـ/٧٨٨ م فى مدينة وليلى بجبل نزهون على إسحاق بن محمد بن عبد الحميد المعتزلى شيخ قبيلة أوربة، وعرّفه أمره، فأجاره، فبايعه وبايعته معه قبيلته، وجمع على الدعوة إليه أيضا قبائل زواغة ولواتة وغمارة ونفزة ومكناسة وكافة البرابر بالمغرب فبايعوه. ولما تمت دعوته زحف إلى جموع البربر الذين كانوا لا يزالون على دين المجوسية وإخوانهم المتهوّدين والمتنصّرين فدانوا له وأسلموا على يديه. وفى سنة ١٧٣ هـ/٧٨٩ م زحف إلى تلمسان ومن بها من قبائل مغراوة الزناتية وأميرها محمد بن خزر فأعلن إليه الطاعة وبايعه هو وقبيلته مغراوة فأمّنه وأمّن سائر زناتة وبنى مسجدا بتلمسان ونظم شئونها ورجع إلى عاصمته «وليلى» ولم يلبث أن توفى سنة ١٧٥ هـ/٧٩١ م ويقال إن الرشيد أرسل إليه شخصا أظهر له الولاء، فقربه منه، وانتهز فرصة فدسّ إليه السم وكان فيه حتفه.
وكانت زوج إدريس حاملا فاتفق أنصاره على انتظار وضعها، وأنجبت ولدا سمته باسم أبيه إدريس فقام على تربيته خير قيام مولاه راشد، وتوفى راشد سنة ١٨٦ هـ/٨٠٢ م فجعلوا مكانه فى الوصاية عليه ولإشرافه على تربيته يزيد بن إلياس، حتى إذا بلغ الصبى الحادية عشرة بايعوه فى جامع وليلى، وشبّ ودان له المغرب الأقصى واستوزر مصعب بن عيسى الأزدى وأخذ يستكثر فى بطانته من العرب حتى بلغوا نحو خمسمائة وبهم عظم سلطانه. وقتل إسحاق بن محمد بن عبد الحميد كبير أوربة لما علم من اتصاله بخصومه الأغالبة حكام تونس وشرقى الجزائر. ورأى أن مدينة وليلى تضيق بحاشيته وأنصاره، فصمم على بناء مدينة تسعهم، وكلف باختيار موضعها بضعة من المهندسين، وأشاروا عليه بموضع على مقربة من عاصمته، فأخذ توّا فى بناء مدينته: فاس سنة ١٩٢ هـ/٨٠٧ م وتصادف أن كان فقهاء قرطبة حينئذ ثائرين على الحكم الربضى لانهماكه فى ملذاته وفى اللهو والملاهى فاجتمع أهل العلم والورع من الفقهاء وحصروه سنة ١٩٠ هـ/٨٠٥ م وقاتلهم فتغلب عليهم وهدم دورهم ومساجدهم ولحقوا بفاس والإسكندرية. ولا ندرى هل لحقوا بفاس فى أول بناء إدريس الثانى لها أو فى أثناء بنائها، إذ نراه يتمم شطرا منها سنة ١٩٢ ويسمّى العدوة الأندلسية، إما لأن الأندلسيين ساعدوا فى بنائه وسكنوه أو لأنهم سكنوه فحسب. وفى العام التالى بنى شطرا ثانيا مقابلا للشطر الأول وسمّى عدوة القرويين أى المغاربة، وجعل فيه مسكنه وإدارة حكومته، وسمّى الشطران جميعا باسم فاس وظل يفصل بينهما طريق طويلا. وغزا إدريس الثانى قبيلة مصمودة