ودانت لطاعته واستولى على أغمات سنة ١٩٧ هـ/٨١٢ م ثم غزا تلمسان وجدد مسجدها ومنبره وأقام بها ثلاث سنوات يدبر شئونها، ومحا منها دعوة الصفرية، واقتطع غرب الجزائر حتى نهر شلف عن دعوة الأغالبة والعباسيين، ولم يستطع الأغالبة منازلة الأدارسة بعد هذا التاريخ وتوفى سنة ٢١٣ هـ/٨٢٨ م.
وخلف إدريس الثانى ابنه محمد بعهد منه، فرأى تقسيم مملكة أبيه بينه وبين إخوته واختص نفسه بفاس وأعمالها، وأعطى القاسم إقليم الريف والهبط بما فيه من سبتة وتطوان وطنجة، وأعطى عمر بلاد صنهاجة وغمارة، وداود هوارة وتازة ومكناس، وعبد الله أغمات وبلاد المصامدة والسوس، ويحيى أصيلا والعرائش وبلاد ورغة، وحمزة وليلى وأعمالها، وعيسى أزمور وتامسنة، وأبقى تلمسان لأولاد سليمان بن عبد الله أخى جده إدريس. وخرج عيسى على أخيه محمد وطلب من القاسم حربه فامتنع وطلب ذلك من عمر فهزمه وأخذ ما فى يده وطلب إليه محمد حرب أخيهما القاسم لامتناعه عن حرب عيسى فحاربه وأخذ ما فى يده، وبذلك اتسعت ولايته فشملت إقليم الريف والهبط وتامسنة وهو جد المحموديين الإدريسيين المتملكين لقرطبة فى أوائل القرن الخامس بالأندلس، وتوفى سنة ٢٢٠ هـ/٨٣٤ م ولم يلبث الأمير محمد أن توفى سنة ٢٢١ هـ/٨٣٥ م وخلفه ابنه على فى التاسعة من عمره، فقامت على تربيته الحاشية وظل حتى سنة ٢٣٤ هـ/٨٤٨ م وكانت أيامه أيام رخاء. وعهد لأخيه يحيى فاتسع سلطانه وعظمت فاس فى العمران وبنى بها كثير من الفنادق والحمامات ورحل إليها الناس من البلاد، وهاجرت إليها سيدة ثرية فاضلة من القيروان من قبيلة هوارة-هى أم البنين الفهرية-ومعها أموال كثيرة أفادتها من ذويها، واعتزمت إنفاقها فى وجوه الخير، فاختطت سنة ٢٤٥ هـ/٨٥٩ م المسجد الجامع المشهور بعدوة القروبين وهو المسمى باسم جامع القروبين، وتحول فيما بعد إلى اليوم جامعة كبرى فى فاس كجامعة الأزهر فى القاهرة، ويذكر لأحمد بن سعيد اليفرنى أنه بنى مئذنته على رأس قرن من اختطاطه. وولى بعد يحيى ابنه يحيى المسمى باسمه فأساء السيرة وكثر عبثه، فثارت عليه العامة، واضطر إلى الانسحاب إلى العدوة الأندلسية، وبعد ليلتين من نزوله بها وافاه أجله، وبذلك انقطع الملك فى الدولة من ذرية محمد بن إدريس الثانى.
وثارت الصفرية بجبال مديونة ودخلت عدوة الأندلس بفاس وقاومتها عدوة القرويين بقيادة يحيى بن القاسم بن إدريس وهزمتها وأخرجتها منها، وتطورت الظروف فقام بالأمر فى فاس يحيى بن إدريس ابن عمر، فملك جميع أعمال الأدارسة فى المغرب، وخطب له فى سائرها، وفيه يقول ابن خلدون:«كان أعلى بنى إدريس ملكا وأعظمهم سلطانا ولم يبلغ أحد من الأدارسة مبلغه فى السلطان والدولة». وكانت الدعوة العبيدية قد نجحت واستطاعت