تقويض الدولة الأغلبية، واستولى على صولجان الحكم فى طرابلس وتونس والجزائر عبيد الله المهدى وطمح إلى ملك المغرب الأقصى، فعقد لمصالة بن حبوس كبير مكناسة على رأس جيش ضخم لمنازلة حكامه سنة ٣٠٥ هـ/٩١٧ م ونازل مصالة يحيى بن إدريس، وارتضى إعلانه الطاعة للمهدى وخلع نفسه وإنفاذ البيعة فأبقى له مصالحه فى فاس وعقد له عمله عليها وحدها دون بقية بلاد المغرب، وعقد مصالة لابن عمه موسى بن أبى العافية أمير مكناسة يومئذ على بقية المغرب الأقصى، وعاد مصالة إلى المغرب سنة ٣٠٩ هـ/٩٢١ م فأغراه ابن أبى العافية بيحيى فاستصفى أمواله، وأجلى الأدارسة إلى الريف فنزلوا مدينة البصرة واختطوا بها حصن النسر سنة ٣١٧ هـ/٩٢٩ م. وبذلك انتهت دولة الأدارسة فى فاس وانتهى معهم سلطان أوربة. وتجدد لهم ملك فى سبتة وأصيلا وإقليم أو منطقة الهبط، وكانوا يختارون شخصا يقدمونه عليهم مثل قنون بن محمد بن القاسم بن إدريس، وتوفى سنة ٣٣٧ هـ/٩٤٨ م فاتفقوا على تقديم أبى العيش أحمد بن قنون وكان يخطب لعبد الرحمن الناصر الأموى، وارتأى أن يخرج إلى الأندلس مجاهدا سنة ٣٤٦ هـ/٩٥٧ م واستخلف أخاه الحسن بن قنون واتصلت مشايعته للأمويين الأندلسيين إلى أن غزا المغرب بلقين، فدخل فى دعوة العبيديين مما جعل المستنصر الأموى يعدّ جيشا لحربه، ونازله فى عهد هشام المؤيد الأموى جيش كثيف من الأندلس اضطره إلى طلب الأمان سنة ٣٧٥ هـ/٩٨٥ م. وبذلك انتهت دولة الأدارسة فى إقليم الهبط كما انتهت فى فاس.
وأما سليمان أخو إدريس بن عبد الله مؤسس دولة الأدارسة فى المغرب الأقصى فإنه نزل تلمسان وتملكها من زنانة ودانت له وتركها له إدريس الثانى-، وتملك أنحاء من المغرب الأوسط، وورث ملكه ابنه محمد واقتسمه أبناؤه، وظلوا يتوارثون تلمسان وأرشكول وجراوة وتنس واستشعر بعضهم الولاء لبنى أمية، وأخيرا ضاع ما بيدهم، جزء أخذه ابن أبى العافية وجزء استولى عليه أولياء الدعوة العبيدية.
وقبل أن نترك الدولة الإدريسية لا بد أن نشير إلى أنها أول دولة أسست فى المغرب الأقصى، وكانت دولة إسلامية عربية، وقد أسهمت بقوة فى نشر الإسلام السنى فى المغرب الأقصى وتلمسان وتطهيرهما من الصفرية والرافضة وعنيت بتحفيظ القرآن الكريم وتفسيره ورواية الحديث النبوى وتفقيه الناس أمور دينهم، وأخذت تتكون فى مساجد المدن حلقات القراء والمفسرين والمحدثين والفقهاء وعنى علماؤها بتعليم المغاربة العربية وأصبح فى المغرب مؤدبون ومعلمون مختلفون. وكانت الدولة عربية وفتحت أبوابها لشخصيات عربية كثيرة جاءتها من القيروان ومن المشرق، حتى قالوا إنه كان فى بطانة إدريس الثانى-كما أسلفنا-خمسمائة عربى. وأخذوا يتكاثرون مع الزمن، ولما ثار كثيرون من الفقهاء وأهل العلم والورع بقرطبة