للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأمم، وكثروا فى منطقتهم وتعددت قبائلهم ومنها كدالة ومسوفة ولمطة وجزولة ولمتونة وهى أهمها جميعا. وكان دينهم فى جاهليتهم المجوسية مثل سائر البربر، وأخذوا يدخلون فى دين الله متأخرين فى القرنين الثانى والثالث للهجرة، وتحمسوا له، وجاهدوا فى سبيله أمم السودان ودوّخوهم وحملوهم على اعتناقه فدانت به كثرتهم، وأدّى الجزية منهم من لم يعتنقه. وكان لهم-بسبب اتساع منطقتهم-ملك ضخم توارثه ملوكهم، وكان ملكهم فى النصف الأول من القرن الخامس الهجرى يحيى بن إبراهيم الكدالى، وكان على شئ من التقوى فتجهز لأداء فريضة الحج سنة ٤٢٧ هـ‍/١٠٣٥ م وفى عودته منه لقى بالقيروان أبا عمران الفاسى شيخ المذهب المالكى، فاستمع إلى دروسه، ولزمه فترة فأعجب به الشيخ وسأله عن موطنه، فقال له إن الجهل فاش فى الناس هناك وحبذا لو أرسلت معنا تلميذا لك يفقههم فى الدين، فعرض الشيخ رغبته على تلاميذه فلم يقبل أحد منهم الذهاب معه لتلك الغاية، فكتب له رسالة إلى تلميذ له فى سجلماسة هو وجاج بن زولو اللمطى لعله يقبل تلك المهمة، فانتدب له وجاج تلميذا تقيا نابها من تلاميذه هو عبد الله بن ياسين الجزولى، وما إن نزل فى قبائل صنهاجة المتبدية حتى أعجبوا به، والتفوا حوله أول الأمر، وعادوا فأنكروا عليه ما نهاهم عنه من بعض المحرمات، وشعر باليأس فصمم على أن يتركهم وشأنهم ويقصر نفسه على النسك وعبادة ربه. وأشار عليه يحيى بن عمر أحد رؤساء لمتونة أن يتنسّك معه فى جزيرة قرب مصب نهر السنغال، ونزلها معه وأقام فيها رباطا، وتسامع بنسكه الناس فأخذ يفد عليه كثيرون ممن فى قلوبهم مثقال حبة من إيمان لينسكوا معه فى رباطه بتلك الجزيرة، فلما بلغت عدّتهم ألفا قال لهم: «اخرجوا فأنتم المرابطون» أى المجاهدون فى سبيل الحق وحمل كافة الناس عليه، ولذلك سموا بهذا الاسم: المرابطون، وغلب على تسميتهم بالملثمين، وبحق ظلت هذه الدولة-طوال عهدها-دولة رباط وجهاد فى سبيل الله.

وخرج عبد الله بن ياسين معهم ومع يحيى بن عمر اللمتونى، وأخذ يعدّ العدة للجهاد فى سبيل الله، وجاءته من صنهاجة البدوية قبائل كثيرة انضمت إلى دعوته، وظل زعيمها الدينى بينما كان يحيى بن عمر زعيمها الحربى واتجه شمالا فاستولى-كما مر بنا-على درعة وسجلماسة وإقليمها سنة ٤٤٧ هـ‍/١٠٥٥ م وأصلح من أحوال هذه المنطقة وغيّر ما بها من المنكرات وأسقط عن الناس المغارم والمكوس. وكان استيلاؤه على هذه المنطقة حطما للحصار الشمالى الذى كان مضروبا على قبائل صنهاجة البدوية أو الصحراوية، وعاد إلى الصحراء وتوغل فى الجنوب فهاجم أهل السودان الغربى فى حوض السنغال وانتصر عليهم، وكان ذلك حطما للحصار الجنوبى الذى كان مضروبا على صنهاجة الصحراوية، فوصلوا إلى شعوب إفريقيا السوداء وأخذوا ينشرون فيها الدين الحنيف. ولم يلبث يحيى بن عمر أن توفى فى نفس السنة، فخلفه أخوه أبو بكر أحد كبار رجال العالم الإسلام المجاهدين فى سبيل الله، وبدأ

<<  <  ج: ص:  >  >>