فندب المرابطين للجهاد فى بلاد المغرب الأقصى فغزا بلاد منطقة السوس سنة ٤٤٨ هـ/١٠٥٦ م واستدار العام ففتح من بلدانها ماسة على المحيط وتارودنت على نهر السوس ومحا أبو بكر منها دعوة الروافض وصعد إلى الشمال فاستولى على أغمات، وحمّس أنصاره من المرابطين لجهاد برغواطة الفاسقة، وكانت مواطنها فى ساحل المحيط فى سلا بإقليم فاس وآنفة وآزمور فى تامسنه وآسفى فى إقليم دكالة، وكانوا صفرية، وكان كبيرهم طريف بن صبيح من قواد ميسرة الصفرى، ويقال إنه تنبأ، وتوالى أبناؤه يتنبّئون ويشرّعون لقومهم الشرائع، وقاومهم الأدارسة والعبيديون والأمويون، ولكن أحدا منهم لم يقض عليهم قضاء مبرما حتى نازلهم أبو بكر بن عمر بجموعه من المرابطين فى وقائع سحقهم فيها سحقا، واستشهد عبد الله بن ياسين فى بعض تلك الوقائع سنة ٤٥١ هـ/١٠٥٩ م وما زال أبو بكر يواقعهم حتى استأصل شأفتهم كما يقول ابن خلدون ومحاهم من الأرض محوا. وبلغه خلاف عنيف بين قبيلته ومسوفة فى موطنهم بالصحراء، فخشى مغبة ذلك وارتحل إليهم سنة ٤٥٣ هـ/١٠٦١ م ليصلح ذات بينهم، واستعمل على المغرب الأقصى ابن عمه يوسف بن تاشفين. ومن ذلك الحين انقسمت حركة المرابطين العظيمة قسمين: قسم جنوبى يجاهد فى إفريقية المدارية بقيادة أبى بكر بن عمر وخلفائه من بعده، واستطاع هذا المجاهد العظيم الاستيلاء من بلاد السودان على ٩٠ مرحلة فى رواية وعلى مسيرة ثلاثة أشهر فى بلدانها وأراضيها برواية أخرى. وما زال يجاهدهم هذا البطل المقدام حتى استشهد فى إحدى غزواته سنة ٤٨٠ هـ/١٠٨٧ م بعد أن ضرب أروع الأمثلة فى نشر الإسلام والجهاد فى سبيله. وأما القسم الشمالى من حركة المرابطين فكان بقيادة يوسف بن تاشفين وقد شمل ما استولى عليه المرابطون-قبل يوسف-وما سيستولون عليه بقيادته من المغرب الأقصى وغير المغرب الأقصى من مثل تلمسان والأندلس.
وكان يوسف بن تاشفين بطلا شجاعا حازما مدبرا لملكه على خير وجه، مجاهدا فى سبيل الله طوال حكمه ابتغاء الثواب من ربه، وكان بحق من كبار الشخصيات الإسلامية المؤسسة للدول والمدن، ولم يكد يستدير العام بعد توليه الحكم حتى رأى أن يبتنى فى السهل الواسع شمالى أغمات وجنوبى تهرتنسيفت مدينة لتكون حاضرة لحكمه. وسرعان ما أخذ فى بنائها سنة ٤٥٤ هـ/١٠٦٢ م وهى مدينة مراكش، وقد شيّدت وفق مخططات رسمتها طائفة من مهرة المهندسين وقامت على بنائها طائفة من العمال الحاذقين كما بنى بها المسجد الجامع وإدارة الحكم، وسرعان ما تكاثرت بها الجوامع والمدارس والفنادق والحمامات، وأصبحت إحدى مدن العالم الإسلامى الكبرى. وفى نفس السنة جنّد يوسف الأجناد حتى اكتمل له ما يزيد عن مائة ألف فارس من صنهاجة وغيرها من قبائل المغرب الأقصى، وقصد مدينة فاس فحارب القبائل حولها وانتصر عليها وافتتحها الفتح الأول، ومضى يهزم القبائل ويفتح البلاد، وفى سنة ٤٦٠ هـ/١٠٦٧ م استولى على بلاد غمارة فى منطقة الريف إلى