وكانت تنتشر فى منطقة، الهبط والريف، وزناتة وكانت تنتشر فى كثير من المناطق وخاصة حول حوض نهر ملوية من منبعه إلى مصبه، ومن فروعها مغراوة التى قضت على الأدارسة وبنى مدرار، وصنهاجة فى مناطق مختلفة، ومعها صنهاجة الملثمون أصحاب دولة المرابطين، ثم مصمودة وكانت تنزل فى السفح الجنوبى لجبال الأطلس وسهوله، وهى الجبال المسماة جبل درن، وكانت تنتشر من آسفى فى منطقة دكالة إلى حاحه على ساحل المحيط ومراكش والسوس وجزولة. وكانت تطمح إلى الملك كما ملكت قبلها صنهاجة وبعض فروع زناتة مثل بنى مدرار فى سجلماسة. ومن فروع مصمودة هرغة وهنتانة وتينملل ودكالة وهيلانة وغيرهم حتى ليصبحون معظم سكان المغرب الأقصى.
وولد لهذه القبيلة الكبرى محمد بن تومرت الهرغى حول سنة ٤٨٠ هـ/١٠٨٧ م ونشأ كما ينشأ لداته فحفظ القرآن الكريم، ثم أخذ يختلف إلى حلقات العلماء فى بلدته ثم فى مراكش حتى إذا بلغ نحو العشرين من عمره رحل إلى المشرق على رأس المائة الخامسة، كما يقول ابن خلدون، ومرّ بالأندلس ودخل قرطبة وهى دار علم، ورحل إلى الإسكندرية وحجّ ودخل العراق ولقى جملة من العلماء. وكانت عقيدة الإمامية الاثنى عشرية شائعة فى بغداد، فدرسها وعرف أنها تقوم على الإمامية أو فكرة إمامة أحد أحفاد على عن طريق الوصية المتسلسلة إليه، وأن المسلم لا يكون مسلما حقا إلا إذا فوّض أمره للإمام وبذل نفسه فى سبيله، فرأى أن يكون ذلك ركنا أساسيا فى دعوته، فهو إمام، وهو يتصف بالصفات القدسية التى يتصف بها الإمام عند فرقة الإمامية الشيعية. ولكن كيف تكون إمامته والإمامة خاصة بالبيت النبوى؟ فأكد أنه علوى فاطمى وذكر له سلسلة نسب تصله بسليمان بن عبد الله أخى إدريس الأول مؤسس دولة الأدارسة، وكان قد ترك لأخيه سليمان وذريته تلمسان.
ولم يأخذ محمد بن تومرت عن الإمامية عقيدة الإمام الفاطمى أو العلوى وحدها، بل أخذ معها فرعيها من المهدية والعصمة، أما المهدية فيريدون بها الإمام الذى ينقذ العالم من الشرور والآثام، فلقب نفسه بالمهدى أى الإمام الذى اختاره الله لتخليص العالم مما فيه من الموبقات والمعاصى، وأما العصمة فيراد بها أن الأئمة معصومون عن الخطأ وعن ارتكاب أى إثم أو اقتراف أى ذنب؛ مع الإيمان بأن الله أضفى عليهم صفات روحية قدسية، وهى صفات تجعل طاعتهم فريضة على كل مسلم وأن عقيدته لا تتكامل إلا إذا فوّض أمره إلى الإمام وبذل نفسه فى سبيله. ولكل ذلك سمى نفسه-وسماه أتباعه-الإمام المهدى المعصوم. كلمات ثلاث ولكنها كلمات فى غاية الخطورة، فهو الشخص الذى اختاره الله لعباده ليكون حاكمهم دينا ودنيا: حاكم مهدى ينقذ الناس من الظلم والمآثم، وكلمته لا ترد فهو معصوم ولا يجرى على لسانه إلا الحق، والحق وحده. وألف ابن تومرت فى هذه الصفات التى خلعها على نفسه مستمدا لها من الإمامية الشيعية كتابا فى الإمامية افتتحه بقوله:«أعز ما يطلب».