وبجانب هذه الأسس الثلاثة وهى أنه إمام مهدى معصوم يأخذ عن الفاطميين لعقيدته أساسا رابعا هو تنظيم دولته بحيث يكون على رئاستها إمام وتتبعه طبقتان: طبقة الصحابة وهم عشرة مستشارون وطبقة الأنصار وهم خمسون وبجانب هاتين الطبقتين الطلبة وهم دعاتهم وكانوا يتعلمون أسس العقيدة ونشرها فى القبائل. ودرس وهو فى بغداد-مذهبى المعتزلة والأشعرية، وعرف الأصول الخمسة التى يدين بها المعتزلة، وهى التوحيد، والعدل، والوعد والوعيد، وأن منزلة مرتكب الكبيرة بين منزلتين، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وأعجبه المبدأ الأول وهو التوحيد، وهو يعنى عند المعتزلة تنزيه الله عن مشابهة المخلوقين، فهو ليس بجسم ولا عرض ولا جوهر ولا يحصره المكان ولا الزمان، وكل آية فى القرآن الكريم يفهم منها مشابهة الله للمخلوقات مثل:(يد الله فوق أيديهم) تؤوّل، فاليد فى الآية معناها القدرة، وبالمثل الآيات الأخرى المماثلة. والأشعرية يلتقون مع المعتزلة فى هذا المبدأ وهو تنزيه الله عن التشبيه وكل ما يتعلق بالجسمية والتجسيد، ومع أن ابن خلدون يقول إنه أخذ بمذاهب الأشعرية فى كافة العقائد، وألف فى العقائد على رأيهم رسالته المرشدة فى التوحيد، مع ذلك نرى أنه ربما صرح باسم الأشعرية لأنه كان لهم شعبية بالمغرب كله لعصره وقبل عصره. وإنما دعانا إلى الزعم بأن ابن تومرت أخذ فكرة أو مبدأ التوحيد وما يتصل به من تنزيه الله عن مشابهة المخلوقات عن المعتزلة أنه استخدمها بنفس المعنى للدلالة على أتباعه، فهم موحدون أى يؤمنون بأن الله لا يشبه المخلوقات بوجه من الوجوه وينفون عنه التجسيد بكل صوره. وكان يتهم المرابطين وشيوخهم بالقول على الذات العلية بالتجسيم وأنهم لذلك كافرون مارقون عن الدين ويجب نقض طاعتهم وقتالهم، ومعاذ الله أن يكون المرابطون كفارا أو مجسمة وقد أدوا للإسلام خدمات كبرى إذ قضوا فى منتصف القرن الخامس الهجرى على مجوس برغواطة فى إقليم تامسنا بالمغرب الأقصى واستنجد بهم أمراء الطوائف فى الأندلس ضد غارات الإسبان عليهم فعبروا إليهم وهزموا الإسبان هزيمة ساحقة فى موقعة الزلاّقه وكان لهم جيش فى موريتانيا نشر الإسلام بقوة فى غرب إفريقيا ووسطها، وبفضلهم تحولت غانة بلدا إسلاميا إلى اليوم، وظلم ما قاله ابن تومرت عنهم من أنهم كفار مجسمة وكل ما هناك أن فقهاءهم كانوا سلفيين يتركون التأويل للآيات التى قد يفيد ظاهرها التشبيه على الله مع تنزيهه ونفى التجسيد عنه، وبذلك يتبين أن ابن تومرت لم يسم أتباعه باسم الموحدين عفوا بلا قصد مما جعل مؤرخا يقول:«كان لقب الموحدين الذى أطلقه ابن تومرت على أتباعه غير ذى معنى لأن كل المسلمين موحدون، ولم يكن المرابطون أقل توحيدا من الموحدين». فهى كلمة-كما رأينا-تؤدى معنى واضحا عنده وعند أتباعه. وفى رأيى أن الذى وصل ابن تومرت بمذهب المعتزلة هم الإمامية لأنهم كانوا موصولين بهم من قديم، وأحكم هذا الاتصال فى القرن الخامس الهجرى الطبرسى المتوفى سنة ٤٦٠ هـ/١٠٦٧ م وقد فسح فيه-كما ذكرت فى الحديث عن التفسير