للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فى القسم الخاص بالعراق فى هذه السلسلة-للتأثر بالمعتزلة فى نفى التشبيه عن الذات العلية. ومبدأ ثان من مبادئ المعتزلة الخمسة أخذ به ابن تومرت وجعله جزءا لا يتجزا من دعوته، وهو مبدأ الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وهو ما ينبغى على كل مسلم أن يصدر عنه بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، وإلا فبقلبه، وهو أضعف الإيمان، وجعل ابن تومرت ذلك شعارا للدعوة. ويقول صاحب المعجب إنه أخذ عن المعتزلة القول بأن صفات الذات العلية من مثل قدير سميع عليم هى عين الذات الإلهية، وقال الأشعرية إنها زائدة على الذات.

ويعود ابن تومرت إلى المغرب وينزل طرابلس ويحاول أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويلقى مقاومة، ويتركها إلى بجاية، ويلقى نفس المقاومة، ويزداد أتباعه ويلتقى بعبد المؤمن بن على الكومى من قبيلة كومية، ويقال إنها زناتية ويقال بل مصمودية، وصحبه إلى تلمسان، والتف حوله كثيرون. وسار موكبه إلى فاس والمغرب الأقصى، ونراه يظن أن أدوات الموسيقى منكر، فيأمر أتباعه بتحطيمها. وينزل مكناسة ويلقى بها مقاومة فيتركها إلى مراكش ويلتقى فى المسجد بأمير المسلمين على بن يوسف ويعظه. وأخذ ينكر على الفقهاء أخذهم بالظاهر فى تفسير الآيات التى قد يفهم منها التجسيد قائلين إن علم ذلك عند الله مع تنزيهه ونفى التشبيه عنه، وهو قول أهل السنة ورماهم بالكفر كما رماهم بالجمود لتمسكهم بمذهب مالك وفروعه، وكأن ذلك كان تمهيدا لتأخذ هذه الدعوة بمذهب داود الظاهرى الذى يأخذ بالكتاب والسنة فحسب، وناظره الفقهاء وانتصر عليهم، ولحق بأغمات ثم بقبيلة هنتانة المصمودية وشيخها أبى حفص، ونزل على قبيلته هرغة سنة ٥١٥ هـ‍/١١٢١ م وبنى بها رباطا للعبادة، وانثالت عليه القبائل وخاصة من مصمودة، وانتقل إلى جبل تينملل جنوبى منطقة مراكش، وأخذ ينظم أتباعه فى طبقات، فأول طبقة إيت عشرة أو أهل عشرة وهم صحابته كصحابة الرسول، وتليهم طبقة الأنصار إيت خمسين أو أهل خمسين. وكان يسمى حفطة المذهب وفقهاءه الطلبة أى الدعاة ويسمى أهل دعوته الموحدين بالمعنى الذى أوضحناه. وأعدّ جيشا عداده ٠٠٠,٤٠ مقاتل من الموحدين وجعل عليه عبد المؤمن بن على، ولقيتهم جيوش المرابطين فهزموهم، وتبعوهم إلى بحيرة بمراكش، ودفعوهم إليها وأثخنوا فيهم قتلا وسبيا وسميت هذه المعركة معركة البحيرة. ولم يلبث المهدى أن توفى بعدها بأربعة أشهر سنة ٥٢٢ هـ‍/١١٢٨ م، وكتم عبد المؤمن وأصحابه موته ثلاث سنوات يموّهون بمرضه حتى استحكم أمرهم، فأظهروا للناس موته وعهده لعبد المؤمن بن على بخلافته.

وأجمع أصحاب ابن تومرت العشرة وأنصاره الخمسين والدعاة أو الطلبة وكافة الموحدين على البيعة لعبد المؤمن بن على بمدينة تينملل سنة ٥٢٤ هـ‍/١١٢٩ م باسم خليفة ابن تومرت، ولم يلبث أن أبعد فى الغزوات فى منطقة تادلة، واستولى سنة ٥٢٦ هـ‍/١١٣١ م على درعة،

<<  <  ج: ص:  >  >>