وتسابق الناس فى المغرب الأقصى إلى دعوته وانتقض البربر فى سائر أنحاء المغرب على المرابطين. ويتحاشى عبد المؤمن مقابلتهم فى مراكش بعد هزيمة البحيرة المشهورة المارة، ويقوم منذ سنة ٥٣٤ هـ/١١٣٩ م إلى سنة ٥٤١ هـ/١١٤٦ م بحملة كبرى يخترق فيها ممر تازا إلى تلمسان ويستولى على شطر كبير من المغرب الأوسط. وكان تاشفين بن على بن يوسف يحاذيه ولا ينازله، وفى هذه الأثناء توفى أبوه على بن يوسف وولى الخلافة تاشفين، وهاجم عبد المؤمن سبتة وامتنعت عليه، وكان القاضى عياض هو الذى دافع عنها بقوة، ولذلك سخط عليه الموحدون، وظل عبد المؤمن يتابع تاشفين حتى حصره فى مدينة وهران بالجزائر وبها توفى سنة ٥٣٩ هـ/١١٤٥ م وبموته سقطت وهران، وأخذت مدن المرابطين تسقط فى حجر الموحدين مع ما أبدى المرابطون فيها من بسالة عظيمة، وخاصة مدينتى فاس ومراكش. وقد ظل عبد المؤمن محاصرا لمراكش تسعة أشهر وهى تقاوم بزعامة أميرها إسحاق بن على بن يوسف وطال عليها الحصار وأجهد أهلها الجوع فاستسلموا فى شوال سنة ٥٤١ هـ/١١٤٦ م ولم يبق الموحدون على أحد من المرابطين وقتلوا إسحاق بن على بن يوسف، وانمحى-كما يقول ابن خلدون-أثر المرابطين من البلاد واستولى عليها الموحدون كما استولوا على تلمسان وعلى شطر كبير من المغرب الأوسط. ولن يقف ملك عبد المؤمن فى بلاد المغرب عند هذا الحد، إذ كان قد حدث منذ أواسط القرن الخامس أن اكتسحت أمواج الهلالية وبنى سليم طرابلس وإفريقية التونسية وشطرا كبيرا من المغرب، وأعدت لظهور ما يشبه أمراء الطوائف فى إفريقية التونسية مثل بنى خراسان فى تونس وبنى جبارة فى سوسة وبنى جامع فى قابس وبنى الرند فى قفصة. وكان بنو حماد فى بجاية، وكان المعز بن باديس وابنه تميم انحازا إلى المهدية على البحر المتوسط بين سوسة وصفاقس، وحمل ملوك صقلية النورمانديون بأساطيلهم على سواحل طرابلس واستولوا عليها كما استولوا على جزيرة جربة المقابلة لقابس، وسرعان ما استولوا فى سنة ٥٤٣ هـ/١١٤٨ م على المهدية وكثير من مدن إفريقية التونسية الشرقية مثل قابس وصفاقس والمنستير وسوسة، وعلم عبد المؤمن ذلك كله فصمم على أن يجمع ديار المغرب كلها فى قبضة واحدة، حتى لا تسول لملوك صقلية نفوسهم الاستيلاء عليها، فخرج من مراكش سنة ٥٥٣ هـ/١١٥٨ م فى جيش جرار استولى به على بجاية عاصمة بنى حماد وخلعهم عن إمارتها واستسلمت له إمارات الطوائف الصغرى فى إفريقية التونسية، واستولى من النورمان على كل ما كان بأيديهم من مدن الساحل فى طرابلس وإفريقية التونسية، وبذلك تحققت على يده وحدة المغرب السياسية من طرابلس إلى المحيط.
وبمجرد أن توفى تاشفين بن على بن يوسف وانتقل صولجان الحكم فى المغرب الأقصى إلى الموحدين اختلّت أحوال الأندلس، بل لعلها اختلت من قبل ذلك فى عهد على بن يوسف منذ شغل المرابطون عن الأندلس بحرب الموحدين، فاستولى النصارى على كثير من الثغور