المجاورة لبلدانهم. ورأى بعض أعيان البلاد فى الأندلس إخراج بلدانهم من ولاة المرابطين وإعلان استقلالهم بها، وبذلك بدا فى الأندلس ما يمكن أن نسميه عصر الطوائف الثانى، وفى سنة ٥٤٣ هـ/١١٤٨ م استولى صاحب برشلونة: ريموند على طرطوشة وجميع قلاعها وعلى لاردة وإفراغة، واتفق أهل بلنسية ومرسية وشرقى الأندلس على تولية عبد الله بن عياض وخلفه محمد بن سعد المعروف بابن مردنيش، ودانت له جيان وولى عليها صهره إبراهيم بن همشك، وظل ابن مردنيش يقاوم الموحدين إلى أن توفى سنة ٥٦٨ هـ/١١٧٢ م ودخلت بلاده فى طاعة الموحدين وبالمثل جيان وابن همشك. وكان الموحدون يرسلون جنودهم منذ سنة ٥٤١ هـ/١١٤٦ م إلى الأندلس واهتموا بالغرب فيها، فدانت لهم إشبيلية وغرناطة. وكان ألفونس السابع قد استولى على المرية سنة ٥٥٢ هـ/١١٥٧ م فنازله عثمان بن عبد المؤمن والى إشبيلية، وحاول ألفونس الدفاع بكل ما يستطيع، ولم يغنه دفاعه ولا جنوده فقد هزم هزيمة ساحقة توفى على أثرها، وهو ثانى ملك نصرانى يقضى عليه المسلمون بعد قضائهم على جده ألفونس السادس بعد هزيمته فى أقليش وقتل ابنه فى معركتها الطاحنة. وعبر عبد المؤمن إلى الأندلس، ونزل بجبل طارق وسماه جبل الفتح وبنى به مدينة، ووفد عليه وجوه الأندلس من مالقة وغرناطة وقرطبة وإشبيلية للبيعة سنة ٥٥٦ هـ/١١٦١ م وقدم له الشعراء مدائح رائعة وتوفى سنة ٥٥٨ هـ/١١٦٣ م. وبحق استطاع إنشاء أكبر دولة عربية فى عصره إذ امتدت من المحيط الأطلسى إلى أنحاء طرابلس فى إفريقيا ومن ديار النصارى فى الأندلس إلى درعة والسوس فى المغرب الأقصى.
وخلفه ابنه يوسف وكان مثقفا ثقافة واسعة، ثقفها فى أثناء ولايته لأبيه على الأندلس واتخاذه إشبيلية عاصمة له هناك، وكان مثل أبيه وإمامه ابن تومرت ثائرا على كتب المذاهب الفقهية وما بها من كثرة الفروع والعلل مؤمنا بمذهب أهل الظاهر الذين يرجعون فى فقههم إلى الكتاب والسنة فحسب كما هو معروف عن داود الظاهرى فى المشرق وابن حزم فى الأندلس. ومرّ بنا أن من مبادئهم التوحيد وسموا به أنفسهم الموحدين أى الجماعة التى تنفى مشابهة الذات العلية للمخلوقين نفيا باتا، ومبدأ ثالث هو الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر كما مر بنا، مع الإيمان بأن ابن تومرت كان إماما مهديا معصوما. ومع ذلك كله يزعم بعض المؤرخين المعاصرين أن دعوة الموحدين لم تقم على أساس مذهب دينى أو سياسى واضح لأنه غابت عنهم معرفة المبادئ التى قامت عليها هذه الدعوة.
وانتهت فى عهد يوسف فتنة ابن مردنيش وكذلك فتنة ابن همشك ودانت له الأندلس شرقا وغربا. وكان ألفونس إنريك Alfonso Enrique ويسميه مؤرخو العرب ابن الريق وهو صاحب قلمرية شمالى نهر تاجه بالقرب من المحيط، استولى على أشبونة وشنترين وقصر