سنة ٦٦٤ هـ/١٢٦٦ م وفى سنة ٦٦٨ هـ/١٢٦٩ م افتتح مدينة مراكش عاصمة الموحدين، وبذلك قضى نهائيا على دولتهم، وبسطت الدولة المرينية سلطانها على المغرب الأقصى جميعه جنوبيه وشماليه حتى سبتة وطنجة. وابتهج الفقهاء بالدولة الجديدة، لأنها خلصتهم من إجبارهم على مدارسة المذهب الظاهرى ورفضهم لمذهب مالك فقيه المدينة والحجاز الذى كان يعتنقه الفقهاء فى المغرب منذ حياة صاحبه فى القرن الثانى. وقد عادوا إليه وإلى مدارسة كتابه الموطأ ومدوّنة سحنون التى أملاها عليه عبد الرحمن بن القاسم تلميذ مالك وكتاب التهذيب للبراذعى الصقلى والنوادر والزيادات لابن أبى زيد القيروانى وغير ذلك من كتب الفقه المالكى ومطولاته التى كان يجمع منها يعقوب الموحدى الأحمال ويحرقها يريد محو مذهب مالك وإزالته من المغرب. وسرعان ما عاد إليه المغرب جميعه بعد انتهاء عصر الموحدين وابتداء عصر المرينيين، وتنادى الفقهاء بأن عقيدة ابن تومرت إنما هى انشقاق على الجماعة، وبذلك كان فقهاء المذهب المالكى من العوامل فى تثبيت حكم المرينيين وعلى رأسهم يعقوب بن عبد الحق. ومنذ عهده بل قبله تلتحم الحروب بين بنى مرين وبنى عبد الواد وستظل تلتحم على مر السنين، وكانت بين يعقوب ويغمراسن سلطان بنى عبد الواد واقعة بأسلى قرب وجدة فى الشمال سنة ٦٧٠ هـ/١٢٧٢ م انتصر فيها يعقوب وحاصر تلمسان ثلاثة أشهر ثم رفع الحصار وعاد إلى فاس، وفى سنة ٦٧٢ هاجم سجلماسة واستخدم فى حصارها البارود لأول مرة فى المغرب الأقصى وأذعنت له، وفى سنة ٦٧٤ هـ/١٢٧٦ م بنى مدينة فاس الجديدة على مسافة ميل غربى المدينة القديمة إلى الجنوب قليلا، ويمر بين سوريهما ذراع من النهر يتجه نحو الشمال وعليه تقع الطواحين، والذراع الثانى للنهر يتفرّع فرعين يمر أحدهما بين فاس القديمة وفاس الجديدة ويتابع الفرع الثانى سيره وسط المزارع، وجعلها مقر الحكومة الجديدة، وسماها يعقوب المدينة البيضاء ولكن الشعب سمّاها باسم فاس الجديدة، وجعلها ثلاثة أقسام، قسم فيه قصوره وقصور أسرته ومعه حدائقه وبنى فيه جامعا بديعا، وقسم ثان به قصور قواده وشخصيات دولته، وقسم ثالث خاص بسكنى الحرس مع جوامع وحمامات، وبنى فى عدوة القرويين بفاس مدرسة كبيرة، وبنى مارستانا وزوايا، وبنى بجوار القصر الملكى دارسكّ العملة واختط سوقا للمدينة ونظمه تنظيما حسنا وجعل لدكاكين الصاغة أمينا يدمغ كل ما يصنع من فضة أو ذهب فى فاس بمنقاش، وكأن أهل فاس عرفوا-منذ هذا التاريخ على الأقل- نظام الدمغة. وتجهز يعقوب فى سنة ٦٧٧ هـ/١٢٧٩ م لعبوره الثانى للزقاق على رأس جيش مرينى لجهاد النصارى فى إسبانيا وأبلى بلاء حسنا وعاد إلى عاصمته فاس. وفى سنة ٦٨٠ هـ/١٢٨٢ م نازل يغمراسن فى ملعب الخيل بأحواز تلمسان وهزمه وعاد إلى فاس. ولم يلبث أن أخذ يستعد لجوازه الثالث إلى الأندلس سنة ٦٨١ هـ/١٢٨٣ م ليجاهد نصارى الإسبان واستولى على بعض حصونهم. وفى سنة ٦٨٥ عبر الزقاق للجهاد مع صفوة مستبسلة