للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبى الحسن (١) على المنذرى، وكان قد قام بأعمال بطولية فى حروب غرناطة مع النصارى، وعزّ عليه أن لا تجد مدن سبتة والقصر الصغير وطنجة من يدافع عنها ضد أعدائهم، فانسحب إلى تطوان جنوبى سبتة على البحر المتوسط. وأخذ فى تحصينها واجتمع له ثلاثمائة فارس، وأخذ بهذه الكتيبة الصغيرة يغزو منطقة المدن الثلاث السابقة ويأسر كثيرين من نصارى البرتغاليين وينهك قواهم فى أشغال التحصينات. ويقول الحسن الوزان فى حديثه عن تطوان إنه زارها ورأى بها ثلاثة آلاف من عبيد النصارى ويقول إنهم كانوا يلبسون جميعا سترة من الصوف وينامون ليلا مقيدين بالأصفاد فى سراديب تحت الأرض. ومثله شاب (٢) إدريسى ذهب إلى غرناطة وانخرط لفترة من الزمن فى خدمة الغرناطيين حتى أصبح محاربا مجربا، وعاد ليستقر فى جبل بنى حسن بالقرب من مدينة تطوان، واجتمع إليه عدد من الفرسان، وأخذ ينازل البرتغاليين فى المنطقة ويفتك بهم، ويقول الحسن الوزان فى حديثه عن جبل بنى حسن إن البرتغاليين يعرفونه جيدا ويعرفون بطولته ويسمونه باسمه على بن راش (راشد) وهو الشريف الإدريسى على بن موسى بن الرشيد. ولا بد أنه كان لشبان مغاربة أعمال كثيرة كأعمال الإدريسى والمنذرى غير أن المؤرخين قلما يثبتونها. ومرّ بنا الحديث عن بهلول وبطولاته العظيمة فى عصر الموحدين. وتبلغ الدولة المرينية غاية الضعف فيتولى الأمر الوطاسيون وهم فرع من بنى مرين ولم يكن بيدهم شئ من السلطان الحقيقى. وكان أولهم محمدا الشيخ منذ سنة ٨٧٦ هـ‍/١٤٧٢ م حتى سنة ٩١٠ هـ‍/١٥٠٤ م وخلفه ابنه محمد البرتغالي حتى سنة ٩٣١ هـ‍/١٥٢٤ م فأخوه بو حسون لمدة سنة فأحمد بن محمد البرتغالي حتى سنة ٩٥٦ هـ‍/١٥٤٩ م. وكان الكابوس البرتغالي يزداد فى عهدهم جثوما على ساحل المحيط، وقد استولوا على ماسة فى منطقة السوس سنة ٨٩٤ هـ‍/١٤٨٩ م وأختها أغادير فى منطقة السوس أيضا سنة ٩١١ هـ‍/١٥٠٥ م وعلى آسفى فى منطقة دكالة سنة ٩١٤ هـ‍/١٥٠٨ م وعلى آزمور سنة ٩١٩ وكانوا ينشئون فى كل مدينة حصونا للدفاع عنها ويقيمون فى كل مدينة حاكما عسكريا، وكانوا كثيرا ما يغيرون على البلاد وراء الساحل فى الداخل وينهبون خيراتها. ولا بد أن نذكر أن الوطاسيين لم يقفوا مكتوفى الأيدى إزاء هذا السيل البرتغالي فقد أبلو فى جهادهم بقدر ما استطاعو ولكن قدرتهم كانت محدودة، إذ خرجت مراكش وأكثر أجزاء المغرب الأقصى عن نفوذهم، وشغلتهم واستنفدت كثيرا من طاقتهم الفتن الداخلية الكثيرة، حتى لم يعد لهم حول ولا قوة، ولذلك كان طبيعيا أن تسقط فاس فى أيدى الأشراف السعديين سنة ٩٥٦ هـ‍/١٥٥٠ م وسلطانها-فى الواقع-انتهى قبل ذلك بسنوات طويلة.


(١) انظره فى كتاب وصف إفريقيا فى مدينة تطوان ص ٣٢٠
(٢) راجعه فى نفس المصدر فى بنى حسن ص ٣٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>