أنه كان فى جيشه بنو عبد الواد ومغراوة وتوجين، وجميعهم سلب منهم ديارهم، فعملوا على هزيمته وانتصار العرب. وشاع فى المغرب الأقصى خبر بموته. فدعا ابنه أبو عنان لنفسه وبايعه الناس. وفى شهر شوال من سنة ٧٥٠ أبحر فى أسطول ضخم إلى الجزائر، وتحطم أسطوله بساحل زواوة فى الجزائر ولم ينج إلا نفر قليل منهم، وغرق من كان معه من العلماء مفخرة المغرب الأقصى والجزائر. ولم يتنازل ابنه أبو عنان له عن الملك بعد أن تحقق من حياته خشية أن يحرمه من ولاية عهده، وشغل الابن بأبيه حتى توفى سنة ٧٥٢ هـ/١٣٥٢ م وتم له الأمر. وزحف إلى تلمسان سنة ٧٥٣ هـ/١٣٥٣ م وكان يليها عثمان الثانى وأبو ثابت فاستولى عليها وقتل عثمان وفرّ أخوه أبو ثابت إلى شلف فأرسل إليه أحد قواده فاستولى على معسكره بكل ما كان فيه، وفرّ أبو ثابت ثانيا وقتل فى فراره، واستولى أبو عنان على كثير من مدن الجزائر بما فيها بجاية وقسنطينة.
وتوفى أبو عنان سنة ٧٥٨ هـ/١٣٥٧ م وهو آخر حكام بنى مرين العظام، وبويع لابنه أبى بكر السعيد وكان طفلا فظل فى الحكم سنة، وخلفه عمه إبراهيم لمدة سنتين. وطبيعى وقد اضطربت الأمور أن تعود تلمسان لأهلها بنى عبد الواد، ويتولى أخوه لمدة سنة، ويتولى بعده سلاطين ضعاف، واختلت الأحوال وظلت الدولة تزداد اختلالا بتولى أناس غير أكفاء، وازدادت الفتن الداخلية وظلت الحروب مشتعلة بين بنى مرين وبنى عبد الواد وكثيرا ما تغلب الوزراء على الحكم فقدموا له الصبية والضعاف من ذرية عبد الحق ليخلو لهم الجو. وأخذ بعض الحكام فى سجلماسة ومراكش وأطراف الدولة يحاولون الاستقلال عنها. وتفقد الدولة المرينية المغرب الأوسط وتعود إلى حدودها الأولى، ففيم كان كل هذا الصراع بين المرينيين والتلمسانيين وحكامهم من بنى عبد الواد. ولو فكر هؤلاء الحكام المسلمون فى الأمر ومصلحة الأمة لأغمدوا السيف ولم يسلّوه على إخوانهم، وإنما يسلونه على عدوهم من نصارى الإسبان الذين ينازلون المسلمين فى الأندلس نزالا ضاريا. ومن الحق أن بنى مرين أدوا دورا عظيما فى الدفاع عن غرناطة. فقد ظلوا حتى أيامها الأخيرة يخوضون معها أو منفردين معارك طاحنة بذلوا فيها كل ما يستطيعون غير طامعين فى غنم أو أى كسب مادى. ولا نمضى طويلا فى القرن التاسع الهجرى حتى نشعر بضعف المرينيين فقد استولى البرتغاليون منهم على سبتة سنة ٨١٨ هـ/١٤١٥ م إذ تحولت الحرب المقدسة إلى أرض المغرب. واستولى البرتغاليون على الدار البيضاء أو آنفه سنة ٨٧٤ وعلى طنجة ومدينتى أصيلا والعرائش سنة ٨٧٦ هـ/١٤٧١ م. وخرجت عن طاعة الدولة مراكش ومنطقة الريف فى الشمال وسجلماسة ودرعة والسوس فى الجنوب، ولا بد أن نذكر أنه إذا كانت الدولة المرينية ضعفت وتخاذلت إزاء هذا الاحتلال البرتغالي الواسع لموانى المغرب على الزقاق والمحيط فإنه كان هناك من الشباب العربى دائما من يستبسلون فى مقاومتهم وينزلون بهم خسائر فادحة فى الأرواح، من مثل