واحدا منهم هو بو حسون كان قد لجأ إلى الترك فى الجزائر واستعان بهم فى الاستيلاء على مدينة فاس فأعانوه واستولى عليها ونودى به سلطانا، فحاصره محمد المهدى واستولى منه على فاس وقتله. وأدّى صنيع بو حسون بمحمد المهدى إلى تخلصه من الوطاسيين جميعا فى ترودنت وبذلك أصبح المغرب الأقصى جميعه خالصا له. وكان فقيها وعلى معرفة بالأدب، وكان واسع الأفق فأحسن تدبير الدولة ونظم شئونها، وجعل لها موارد من الضرائب على الزراعة والصناعات تعين حكامها السعديين على مقاومة البرتغاليين، وهو بذلك يعد المؤسس الحقيقى لدولة السعديين. ويقول خصومهم إن هذا اللقب دليل على أنهم ليسوا شرفاء من البيت النبوى، إنما هم من بنى سعد بن بكر القبيلة القيسية التى شرفت بحليمة السعدية مرضعة الرسول صلّى الله عليه وسلم، والصحيح أنهم علويون من سلالة الحسن بن على بن أبى طالب، أما تلقيبهم بلقب السعديين فتعبير من المغاربة معاصريهم بأنهم سعدوا بهم، كما يقول مؤرخهم الفشتالى فى كتابه مناهل الصفا، وأى سعد كان ينتظره المغرب فى القرن العاشر الهجرى أكبر من سعده بهم فى تطهيرهم لسواحله من البرتغاليين ما عداه طنجة فى الشمال. وخلف محمدا المهدى ابنه عبد الله الملقب بالغالب بالله، وظل يدافع البرتغاليين من جهة والترك فى الجزائر من جهة ثانية، وكانت أيامه أيام أمن ورخاء كثر فيها البنيان والعمران وتوفى سنة ٩٨٢ هـ/١٥٧٤ م. وتولى بعده ابنه محمد الملقب بالمتوكل، وكان لأبيه أخوان تغرّبا فى الجزائر لدى الترك العثمانيين مدة، وهما عبد الملك وأحمد، وصمّما أن لا يتنازلا عن صولجان الحكم والملك لابن أخيهما، وكان عبد الملك شخصية نابهة، وكان يحسن الإيطالية والإسبانية، وسافر إلى الآستانة، وأخذ يلح فى أن يرسل الترك معه جيشا للاستيلاء على فاس من يد ابن أخيه وعاد إلى الجزائر، فأمده واليها بكتيبة من الجيش التركى استعان بها على استرجاع فاس، وبمجرد دخوله فيها فرّ ابن أخيه المتوكل وبايعه الناس وتلقب بالمعتصم سنة ٩٨٤ هـ/١٥٧٧ م.
وكان عبد الملك المعتصم يحسن تدبير الملك، فنظم أمور الدولة ولم يلبث أن نظّم الجيش على طريقة الجيش التركى وما يتّبع فيه من أساليب، أما ابن أخيه محمد الذى لقّب بالمتوكل فإنه حاول عبثا أن يشاغب عمه فى منطقة السوس، ولما أعياه ذلك لجأ إلى طنجة، ولقى بها ملك البرتغال سباستيان، فوضع يده فى يده معاهدا له على حرب عمه عبد الملك، وانتهز الفرصة ملك البرتغال وجهز جيشا قاده بنفسه، يقال إن عدده بلغ ثمانين ألفا، وانضمّ إليه محمد المتوكل مع من أغواهم، ونزل البرتغاليون فى ميناء أصيلا، ورأى عبد الملك أن يطاولهم حتى يتوغلوا فى داخل البلاد، وتغلغلوا إلى الجنوب حتى وصلوا إلى وادى المخازن بقرب مدينة القصر الكبير، وتركهم حتى إذا عبروا جسر الوادى أمر بهدمه، ثم لقيهم فى جمادى الأولى سنة ٩٨٦ هـ/١٥٧٨ م ودارت معركة حاسمة سحق فيها الجيش البرتغالي سحقا ذريعا وقتل ملكه سباستيان ونصيره محمد المتوكل. وأثناء المعركة توفى عبد الملك المعتصم وفاة طبيعية