للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتحوّل شعراء قريش منذ فتحت مكة ودخلوا فى دين الله يكفّرون عما قدّمت ألسنتهم بأشعار، يعتذرون فيها للرسول صلى الله عليه وسلم كقول ابن الزّبعرى (١):

يا رسول المليك إنّ لسانى ... راتق ما فتقت إذ أنابور (٢)

إذ أجارى الشيطان فى سنن الغ‍ ... ىّ ومن مال ميله مثبور (٣)

آمن اللحم والعظام بما قل‍ ... ت فنفسى الفدا وأنت النّذير

وقد حسن إسلامهم، ومضوا يصدرون عنه فى أشعارهم، حتى إذا انتقل الرسول إلى الرفيق الأعلى أخذوا يرثونه ويتفجّعون عليه، على شاكلة قول أبى سفيان بن الحارث (٤):

لقد عظمت مصيبتنا وجلّت ... عشيّة قيل: قد قبض الرسول

نبىّ كان يجلو الشكّ عنا ... بما يوحى إليه وما يقول

وإذا تركنا شعراء المدينتين الكبيرتين إلى شعراء نجد والبوادى وجدنا بينهم كثيرين يقبسون من أضواء الإسلام، ولا نقصد من خرجوا إلى الجهاد فى سبيل الله فحسب، فقد عمّ ذلك من ظلوا فى الجزيرة ولم يتح لهم تقدم سنهم شرف الاشتراك فى هذا الجهاد.

ونحن نقف عند مشهوريهم، ثم نعطف على من لم يبلغوا مبلغهم من الشهرة، ولعل أول من ينبغى الوقوف عنده عبدة بن الطبيب الذى تحدثنا عنه فى شعر الفتوح، فقد روى له صاحب المفضليات عينية بديعة، ونراه فى شطر كبير منها يوصى أبناءه بتقوى الله وبرّ الوالد والحذر من النمّام الذى يزرع الضغائن بين الناس، مستلهما فى ذلك كله آى الذكر الحكيم، يقول (٥):

أوصيكم بتقى الإله فإنه ... يعطى الرغائب من يشاء ويمنع

وببرّ والدكم وطاعة أمره ... إن الأبرّ من البنين الأطوع


(١) ابن سلام ص ٢٠٢.
(٢) رتق الفتق: خاطه. بور: ضال هالك.
(٣) سنن: طريق. مثبور: هالك ضائع.
(٤) الاستيعاب ص ٧٠٨.
(٥) المفضليات ص ١٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>