للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فى عهدهم، مما يدل على أن المغاربة كانوا قد أخذوا يدرسونها منذ عهد المرابطين، وقاد حركة ازدهار هذه العلوم فى المغرب الأقصى يوسف (١) بن عبد المؤمن الموحدى (٥٥٨ هـ‍/١١٦٢ م -٥٨٠ هـ‍/١١٨٥ م)، إذ تعلم الفلسفة منذ أن كان حاكما لإشبيلية فى عهد أبيه عبد المؤمن، واصطفى لنفسه حينذاك طبيبه الفيلسوف أبا بكر بن طفيل واصطحبه معه إلى مراكش حين استولى على صولجان الحكم، وكان لا يكاد يفارقه، ورغبه فى جمع كتب الفلسفة فاجتمع له منها-كما يقول صاحب المعجب-ما يقرب مما جمعه الخليفة الأموى المستنصر (٣٥٠ هـ‍/ ٩٦١ م-٣٦٥ هـ‍/٩٧٥ م) فى الأندلس، وكانت مكتبته تعد أغنى مكتبة فى زمنه تحوى كتب الفلسفة. وكما كان ابن طفيل يجلب إليه الكتب الفلسفية وما يتصل بها من علوم الأوائل كان يجلب إليه العلماء من جميع الأقطار وينبّه عليهم-كما يقول صاحب المعجب-ويحضه على إكرامهم والتنويه بهم، وله فى الفلسفة والطب والفلك كتب مختلفة. وشكا إليه يوسف قلق عبارات أرسطو فى كتبه وحاجتها إلى الشرح والتلخيص وسأله أن يقوم بذلك فاعتذر بعلو سنه، وأشار عليه أن يطلب ذلك من ابن رشد-وكان قاضى إشبيلية حينذاك-فاستدعاه وطلب إليه أن ينهض بهذا العمل، فنهض به على خير صورة ممكنة، إذ وضع شروحا مطولة ومتوسطة ومختصرة لكثير من مؤلفات أرسطو.

وكل هذه الشروح ترجمت إلى اللاتينية وترجمت معها مؤلفاته الفلسفية مثل تهافت التهافت الذى ردّ فيه على تهافت الفلاسفة للغزالى، والكشف عن مناهج الأدلة فى عقائد الملة، وفصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال. وأخذت كتبه تدرس فى الجامعات الأوربية منذ القرن الثالث عشر الميلادى، ولولاها لما فهم الغرب فلسفة أرسطو بالإضافة إلى ما كان لمؤلفيه الأخيرين من أثر عميق فى حركة التحرر الدينى الأوربى. وهى يد لابن رشد لا على الفكر الأوربى وحده بل على الفكر العالمى جميعه.

وكل آثار ابن رشد وابن طفيل وغيرهما من فلاسفة الأندلس مثل ابن باجة أستاذ ابن طفيل أحدثت فى المغرب الأقصى نهضة علمية فى مختلف علوم الأوائل وخاصة فى الرياضيات التى شغف بها المغاربة، وفى مقدمتهم عبد الله بن محمد بن حجاج المشهور باسم ابن الياسمين (٢) المتوفى سنة ٦٠١ هـ‍/١٢٠٥ م وله منظومة فى الجبر والمقابلة وأخرى فى أعمال الجذور، وكان يعاصره على بن محمد بن فرجون القيسى القرطبى نزيل فاس المتوفى مثله سنة ٦٠١ وله كتاب (٣) لباب اللباب فى بيان مسائل الحساب. وتدل القصور المختلفة التى بناها المنصور


(١) انظر فى يوسف وأخباره مع ابن طفيل وابن رشد المعجب فى مواضع متفرقة (راجع الفهرس).
(٢) انظر حضارة الموحدين للمنونى ص ٧٤.
(٣) راجع الذيل والتكملة لابن عبد الملك المراكشى ٥/ ٣٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>