للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ظلّ يدرس النحو طوال عمره بسبتة، وهو أستاذ القاضى عياض وغيره من علمائها فى عصر المرابطين، ونلتقى بعده بعلى (١) بن محمد الجذامى المالقى الذى سكن سبتة واستوطنها إلى وفاته سنة ٥٣٠ هـ‍/١١٣٥ م وكان يقرئ بها الذكر الحكيم لطلابه ويدرس لهم قواعد العربية، ومثله أحمد (٢) بن الحطيئة الفاسى المتوفى زمن الموحدين سنة ٥٦٠ هـ‍/١١٦٥ م إذ كان مقرئا للذكر الحكيم كما كان نحويا. ولا نبالغ إذا قلنا إن جميع المقرئين يعدون نحاة، إذ كانوا يحفّظون الصبيان ويقفونهم على حدود العربية كى ينطقوا بآى الذكر الحكيم نطقا سليما.

ولا يلبث أن يظهر فى المغرب الأقصى نحوى مهم هو عيسى (٣) الجزولى المتوفى سنة ٦٠٧ هـ‍/١٢١٠ م وهو خريج ابن برى العالم النحوى اللغوى المصرى المتوفى سنة ٥٨٢ هـ‍/١١٨٦ م فقد حج ومرّ بالقاهرة وأعجب فيها بمحاضرات ابن برى فى النحو وكان يدرس للطلاب كتاب الجمل للزجاجى ويناقش مسائل النحو فيه وقضاياه وانتظم الجزولى بين طلابه، وسأله عن مسائل نحوية فأجابه عليها، وأثبت كل ما دار فى محاضراته وكل ما أدلى به ابن برى من أفكار أو بعبارة أدق أثبت ما أدلى به فى «مقدمة» عاد بها إلى بلده وأخذ يدرسها للطلاب فى المغرب والأندلس، ويعرّف به ابن عبد الملك فى الذيل والتكملة بقوله: جالب الكراسة المشهورة فى العربية عن أبى محمد بن برى نحوىّ الديار المصرية قدم عليه ولازمه، ومن كلام ابن برى المذكور على الجمل «للزجاجى» كتب ذلك التأليف المنسوب عند كثير من الناس إلى جالبه أبى موسى الجزولى باسم «الجزولية»، ويقول القطفى إنه كان إذا سئل هل هى من تأليفك أجاب: لا، لأنها فى واقع الأمر من تأليف ابن برى الذى كان يلقيه على طلابه فى محاضراته ودروسه، ويقول القفطى أيضا: فيها كلام غامض وعقود لطيفة وإشارات إلى أصول صناعة النحو غريبة. وفى هذا كله ما يدل على أن المقدمة إنما هى محاضرات لابن برى، وعلى عادة التلامذة حين يكتبون ما يسمعونه من أساتذتهم فى المحاضرة ويتركون بعض قطع منها وبعض عبارات حدث ذلك نفسه فى المقدمة التى حملها الجزولى عن أستاذه ابن برى، ولو كان مؤلفا لها لخلت مما فى بعض عباراتها من غموض وما فيها من رموز وإشارات. على أن فى ذلك ما يدل بوضوح على أن عيسى الجزولى كان تلميذا بارا لأستاذه ابن برى، فرأى أن يحتفظ فى المقدمة بنصوص كلامه ولا يضيف إليها شيئا، فبدت فيها بوضوح هذه العيوب التى ذكرها القفطى. ومهما يكن فإنها هدية من مصر عن طريق ابن برى للمغرب الأقصى وقد عنى بها وشرحها كثيرون فى المغرب والأندلس وفى مقدمتهم الشلوبينى الأندلسى. وينزل المغرب الأقصى ابن خروف إمام النحو الأندلسى المشهور، ويترك


(١) انظر ابن عبد الملك المراكشى ٥/ ٢٨١.
(٢) راجعه فى إنباه الرواة فى طبقات النحاة ١/ ٣٩.
(٣) انظر الجزولى فى إنباه الرواة ٢/ ٣٧٨ وكتابنا المدارس النحوية ص ٣٠٠ والذيل والتكملة لابن عبد الملك ٨/ ٢/٥٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>