وهو أن يشهد أول الكلام بآخره كما يدخل فيه التقسيم والمقابلة والالتفات أو مراجعة المعنى الماضى. والجنس السادس المظاهرة ويدخل فيها المطابقة وهى الجناس باللفظ المماثل، والمكافأة وهى الطباق وتشمل المقابلة، كما تدخل المقايضة فى مثل قوله عزّ وجل:{تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ} ويسميه ابن أبى الإصبع فى كتابه بديع القرآن: «العكس والتبديل» وتدخل المزاوجة وهى بنفس الاسم عند ابن أبى الإصبع (ص ٢٨ من بديع القرآن) كما يدخل التصدير وهو رد الأعجاز على الصدور عند ابن أبى الإصبع فى كتابه تحرير التحبير ص ١١٦، ويقول إن المتأخرين سموه التصدير، ويدخل الترديد وهو بنفس الاسم عند ابن أبى الإصبع (ص ٩٦ من بديع القرآن). والجنس السابع التوضيح، وكان ينبغى أن يسميه حسن التوضيح لأن التوضيح من حيث هو لا يعد بديعا، ولذلك سماه الرمانى حسن البيان وفى رأيى أن السجلماسى تابع فى ذلك ابن البناء غير أنه تحدث عنه كنوع فى الفصل الرابع أو الكلية الرابعة الخاصة بتفصيل شئ بشئ وجعل منه التفسير كما صنع السجلماسى، وكان حريا به أن يجعله فرعا لأحد الأجناس كجنس الرصف. والجنس الثامن الاتساع وهو أن يحتمل القول أو البيت معنيين أو أكثر، وذكره ابن أبى الإصبع (ص ١٧٣ من بديع القرآن) كما ذكره ابن البناء فى الفصل الرابع أو الكلية الرابعة من الباب الثانى فى كتابه، ولم يتسع السجلماسى بالحديث فيه، وكان حريا أن لا يعقد له جنسا مستقلا. والجنس التاسع الانثناء، وهو بأنواعه الأصلية والفرعية يقابل الفصل الأول أو الكلية الأولى من الباب الثانى عند ابن البناء وهى الخروج من شئ إلى شئ. وربما كانت تسمية الكلية على هذا النحو أدق من تسمية الجنس عند السجلماسى.
والجنس العاشر التكرير وهو نفس الكلية الأخيرة عند ابن البناء، والتجنيس مفرّع عنده إلى نفس فروعه عند ابن البناء، وهما يلتقيان فيها مع ابن أبى الإصبع (ص ٢٧ من بديع القرآن وص ١٠٢ من تحرير التحبير). ومواضع الالتقاء بين ابن أبى الإصبع والسجلماسى كثيرة، وبيانها يحتاج إلى مقابلات وتفصيلات لا تسعها هذه الدراسة. وإنما ذهبت إلى أن ابن البناء هو الذى ألف كتابه أولا ثم ألف السجلماسى كتابه لأنه أخذ منه فكرة الجنس الكلى للقواعد البديعية، وفكرة إدخال مسائل لغوية كثيرة فى دراسة البديع، مع الاشتراك فى أسماء بعض الأجناس والكليات والمصطلحات وفى كثير من التعريفات والأمثلة والشواهد، وكأن ابن البناء هو الذى بدأ فكرة الكليات التى صدر عنها فى كتابه الكليات النحوية وفى هذا الكتاب الخاص بالبديع. والسجلماسى هو الذى انتهى بها إلى الغاية-على هدى علم المنطق-إذ استحالت فكرة الكلية عنده إلى فكرة الجنس وأنواعه، ومضى فى الكتاب يطبق المنطق بقضاياه ومقولاته وأقيسته ولا يخفى ذلك بل يصرح به مرارا، حتى لينقل كلامه بنصه مرارا (انظر الفهرس) ومما لا ريب فيه أن السجلماسى حاول جاهدا أن يمنطق البديع، وتم له ذلك، غير أنه توسع