مختلفة فى أن يصبح مذهب مالك هو المذهب الفقهى المنتشر بالمغرب فى كل البيئات وكل الأوساط وكل البلدان، وقد يلقانا من حين إلى آخر فقيه شافعى، إذ كان شباب العلماء يرحلون إلى مصر، وكان المذهبان المالكى والشافعى يتنافسان فيها، فربما اختلف بعض هؤلاء الشباب إلى حلقات الشافعية وأعجبهم مذهب الشافعى، وقليل جدا من كانوا يعتنقون هذا المذهب على مر الحقب. وأهم فقيه مالكى نلتقى به فى المغرب الأقصى بالقرن الرابع الهجرى دراس بن إسماعيل الفاسى المتوفى سنة ٣٦٢ هـ/٩٧٢ م، ويقال إن الفقيهين القيروانيين المشهورين أبا الحسن القابسى وابن أبى زيد تتلمذا له، كما يقال إنه هو الذى أدخل مذهب مالك إلى المغرب الأقصى وأنهم كانوا قبل ذلك على مذهب أبى حنيفة الذى كان يدعو إلى اعتناقه الأغالبة فى القيروان. وبعد دراس يلقانا تلميذه عبد الرحيم بن أحمد الكتامى المعروف باسم ابن العجوز السبتى المتوفى سنة ٤١٣ هـ/١٠٢٢ م لازم ابن أبى زيد القيروانى مدة وسمع منه كتابيه: النوادر والمختصر، ونلتقى بأبى عمران الفاسى المار ذكره بين القراء، وإليه انتهت رياسة الفقهاء فى القيروان، وكان يعاصره عبد الله بن غالب المتوفى سنة ٤٣٤ هـ/١٠٤٢ م صحب ابن أبى زيد بالقيروان وتفقه عليه، وكان يعاصرهما عثمان بن مالك الفاسى المتوفى سنة ٤٤٤ هـ/١٠٥٢ م زعيم فقهاء المغرب الأقصى فى وقته، وله تعاليق على مدونة سحنون.
ويدخل عصر المرابطين ومن فقهائه مروان بن سمجون المار ذكره بين القراء، وكان فقيها محدثا مفتيا. ويلقانا بعده على بن القاسم رأس أسرة بنى القاسم بن عشرة بسلا المتوفى سنة ٥٠٢ هـ/١١٠٨ م وكان فقيها حافظا ومحدثا ووجيه أهل بلدته استقضى بها وأورث عقبه سؤددا وشرفا. وكان يعاصره أبو عبد الله التميمى الفاسى المتوفى سنة ٥٠٥ هـ/١١١١ م وهو شيخ القاضى عياض الذى افتتح به فهرسته. ومن فقهاء عصر المرابطين عبد الرحمن بن محمد بن العجوز المتوفى سنة ٥١٠ هـ/١١١٦ م كان يدرس لطلابه المدونة واستقضى للمرابطين فى عدة بلدان بالأندلس والمغرب. ومنهم عبد الله بن على بن سمجون المتوفى سنة ٥٢٤ هـ/١١٢٩ م وكان فقيها حافظا للفروع عارفا بإقرائها وتدريسها والفقه فيها، ولاه أمير المسلمين يوسف بن تاشفين قضاء الجزيرة ونقل منها إلى غرناطة سنة ٥٠٨ وظل بها إلى وفاته. ومنهم موسى بن عبد الرحمن الصنهاجى المتوفى بمراكش وهو قاضيها سنة ٥٣٥ هـ/١١٤٠ م وكان عالما بالأحكام مقدما فى معرفتها حافظا للرأى ورعا.
ومع أن دولة الموحدين كانت تعتنق فى الفقه المذهب الظاهرى وتدعو إليه، كما مرّ بنا فى الفصل الماضى. فقد ظل المذهب المالكى حيّا طوال العصر، غير أن كتب التراجم لا توضح مدى حياته ولا مدى حياة المذهب الظاهرى، إذ تترجم لفقهاء العصر ترجمات عامة، ولا نعرف أيهم كان ظاهريا وأيهم كان مالكيا. وأومن بأن الكثرة من القضاة كانت ظاهرية