للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العصمة من الوقوع فى الآثام وقد أطلقها جميعا على نفسه، فتلقب بلقب الإمام المهدى المعصوم، وكان يرفع لذلك نسبه إلى الرسول صلّى الله عليه وسلم كما فى المعجب للمراكشى. وأخذ من المعتزلة مبدأ توحيد الله أو وحدانيته بحيث لا يشبه المخلوقات ولا يجوز عليه التجسيد بأى صورة من الصور وما جاء فى القرآن من آيات يفهم من ظاهرها التجسيد تؤوّل على نحو ما صنع ذلك المعتزلة. وشركت الأشعرية المعتزلة فى اعتناق مبدأ عدم التشبيه على الله، وكانت المعتزلة تمد هذه الوحدانية إلى الصفات-كما مر بنا-فهى عين ذاته لا قائمة بها كما يقول أهل السنة والأشعرى فمثلا الله عليم سميع بصير أى أن ذلك عين ذاته. وأخذ ابن تومرت بذلك كله، أى أنه أخذ مبدأ الوحدانية عن المعتزلة بحذافيره، كما أخذ عنهم فكرة أن مرتكب الكبيرة فى منزلة بين الإيمان والكفر، وأيضا فإنه أقام دعوته-كما يقول صاحب المعجب-على الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وهو أحد مبادئ المعتزلة المذكورة آنفا. وله فى الدعوة إلى نحلته مصنفات هى: أعز ما يطلب، الإمامة، العقيدة المرشدة. ومن أكبر الدعاة لعقيدة ابن تومرت البيذق وله مصنف فيه ومصنف ثان فى دولة الموحدين حتى نهاية عصر عبد المؤمن بناهما على الدعوة للموحدين، ومن كبار دعاتهم عبد الله بن حماد بن زغبوش المكناسى وله مصنف فى إثبات الهداية الموحدية بالاستقراء من الكتاب العزيز. ومن أهم دعاتهم أبو الحسن بن الإشبيلى على بن محمد بن خليد اللخمى نزيل مراكش، وكان متحققا بعلم الكلام كما يقول ابن عبد الملك المراكشى، ويقول إنه صنف كتابا سماه «المعراج» قدم به على الخليفة عبد المؤمن الموحدى سنة ٥٤١ للهجرة، فحظى عنده ورقاه إلى رتب عليّة نال بسببها دنيا عريضة (١)، ولعل الكتاب كان فى الدعاية لعقيدة الموحدين، إذ نراهم يسندون إليه القيام على إرشاد دعاتهم المسمّين بالطلبة، وكان يقرأ لهم كتب ابن تومرت صاحب الدعوة، ويقول ابن صاحب الصلاة فى كتابه المن بالإمامة أنه سمع عليه مع هؤلاء الطلبة كتب ابن تومرت: عقيدة التوحيد، وهى المسماة العقيدة المرشدة، وكتاب العقيدة المباركة المسماة بالطهارة، وكتاب أعز ما يطلب بقراءة أبى عبد الله بن عميرة. ويقول ابن صاحب الصلاة إن القارئ كان إذا قرأ فصلا مما ذكرته هذه الكتب من عقيدة الموحدين شرح أبو الحسن بن الإشبيلى غامضها وفتح أقفالها على الطلبة حتى يذللها ويبينها أتم بيان (٢).

وممن خلفوا أبا الحسن بن الإشبيلى وقاموا على بث تعاليم دعوة الموحدين فى طلبتهم أو بعبارة أدق فى دعاتهم أبو الحسن (٣) بن القطان المار ذكره بين المحدثين وقد ذكرنا هناك أن من ترجموا له قالوا إنه: «رأس طلبة العلم بمراكش» ويعنى هذا أنه كان يقوم على إرشادهم-فكان


(١) الذيل والتكملة ٥/ ١/٣٠٤
(٢) المن بالإمامة تحقيق د. عبد الهادى التازى ص ١٦٠ وما بعدها.
(٣) نظر ترجمته فى الذيل والتكملة ٨/ ١/١٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>