للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

داعيا لواصل بن عطاء رأس الاعتزال أو دعاة هاجروا إلى المغرب الأقصى واستطاعوا أن يدخلوا فى عقيدة الاعتزال جموعا كبيرة منه ببلدة عرفت بهم تسمى البيضاء وأنهم أيضا استطاعوا- فيما يقال-إدخال إدريس مؤسس الدولة الإدريسية فى عقيدتهم، وأن محمد ابن إدريس الثانى بنى لهم بلدة بالقرب من مدينة أصيلا سماها البصرة إحياء لذكرى واصل البصرى مؤسس الاعتزال فى البصرة بالعراق.

ويبدو أن الاعتزال فى المغرب الأقصى أخذ-فيما بعد-يتلاشى وتلاشت مدينتهم «البصرة» معهم فلم يعدلها أثر. والمهم أن المغرب الأقصى عرف عقيدة الاعتزال الكلامية مبكرا، ومعروف أنها تقوم على خمسة مبادئ هى-كما مر بنا فى الفصل الماضى-وحدانية الله بحيث لا يشبه المخلوقات، وأيضا وحدانيته فى صفاته بحيث تعدّ نفس ذاته، والعدل على الله فهو لا يظلم بحال، وإنفاذه وعده فى النعيم ووعيده فى الجحيم، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وأن مرتكب الكبيرة فى منزلة بين الإيمان والكفر.

ودارت معارك عنيفة بين أهل السنة والمعتزلة القائلين بأن الإنسان حر مختار فى إرادته وأعماله وأن ما جاء فى القرآن الكريم من آيات تفيد التجسيد على الذات العلية تؤوّل فمثل {يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} تعنى أن قدرته فوق ما لهم من قدرة، وأهل السنة القائلين بأن إرادة الإنسان وأعماله بقضاء الله وقدره يقولون إن مثل قوله تعالى: {يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} نؤمن بها حسب الظاهر ولا نعرف كيفية هذه اليد، حتى إذا ظهر أبو الحسن الأشعرى المتوفى سنة ٣٢٤ هـ‍/٩٣٥ م نفذ إلى تأسيس مذهب كلامى جديد متوسطا فيه بين المعتزلة وأهل السنة إذ ذهب فى مسألة أفعال الإنسان إلى أنها لله خلقا وصنعا وللإنسان كسبا وإرادة، ووافق المعتزلة فى تأويل الآيات التى تفيد التجسيد على الذات العلية. ومر بنا أن المعتزلة كانوا يرون أن صفات الله مثل السميع البصير هى عين ذاته بينما كان أهل السنة يرون أنها زائدة على الذات قائمة بها وأخذ الأشعرى فيها برأى أهل السنة. وحاول التوفيق بين الطرفين المتعارضين فى مسائل أخرى (انظرها فى كتاب العصر العباسى الثانى ص ١٧٧). وعمّ مذهبه فى العراق والشام ومصر، وحمله إلى إفريقية التونسية أبو الحسن القابسى وأبو عمران الفاسى، وأصبح هذا المذهب: مذهب الأشاعرة المذهب الكلامى السائد فى البلدان المغربية.

ونجد فى عصر المرابطين علماء يعرضون هذا العلم: علم الكلام أو العقيدة على طلابهم مثل أبى القاسم المعافرى السبتى المتوفى سنة ٥٠٢ هـ‍/١١٠٨ م ومثل أبى بكر السبتى المار ذكره بين المفسرين. وندخل فى عصر الموحدين ومر بنا أن ابن تومرت مؤسس دعوتهم زار العراق وجلب منه إلى عقيدته مبادئ من الشيعة والمعتزلة، فمن الشيعة أخذ ثلاثة مبادئ: مبدأ الإمام ومبدأ ظهور المهدى الذى يصلح العالم فى آخر الزمان ويسمّى الإمام المهدى ومبدأ

<<  <  ج: ص:  >  >>