للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو أنه كان صحيح الإسلام ما هجاهم بالبيت الثانى، فإن الإسلام يجلّ الوفاء بالذمم والعهود وينهى عن الظلم وكل ما يتصل به ولكن روحه كانت جاهلية. وكان ابن (١) مقبل على شاكلته، يقول ابن سلام: «إنه كان جافيا فى الدين وكان فى الإسلام يبكى؟ ؟ ؟ الجاهلية» (٢) ومع ذلك ندّت على لسانه أبيات فيها ما يدل فى وضوح على تأثره بالدين الحنيف من مثل قوله (٣):

هل الدّهر إلا تارتان فمنهما ... أموت وأخرى أبتغى العيش أكدح

وكلتاهما قد خطّ لى فى صحيفة ... فلا الموت أهوى لى ولا العيش أروح

وهو يصدر فى البيتين عن الآية الكريمة: {(ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاّ فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها)} ومما يروى له قوله (٤):

الناس همّهم الحياة ولا أرى ... طول الحياة يزيد غير خبال

وإذا افتقرت إلى الذخائر لم تجد ... ذخرا يكون كصالح الأعمال

وممن يسلك فى هؤلاء الشعراء الذى عرفوا برقة دينهم الحطيئة، وسنرى عما قليل أثر الإسلام فى شعره.

ولعل فى كل ما قدمنا ما يدل على فساد الفكرة التى شاعت بين الباحثين عربا ومستشرقين من أن الإسلام لم يترك آثارا عميقة فى نفوس المخضرمين، وخاصة أهل البادية (٥)، فقد نفذت أشعته النيرة إلى قلوبهم جميعا. ونحن نقف عند خمسة منهم يعدّون فى طليعتهم هم حسان بن ثابت وكعب بن زهير ولبيد والحطيئة والنابغة الجعدى، لنرى فيهم مدى تأثر المخضرمين بالإسلام، ولندل فى وضوح على أن هذا التأثر لم يقف عند شعراء المدينة من مثل حسان، فقد نفذ إلى شعراء البادية وتعّمقهم على نحو ما سنرى عند لبيد والنابغة الجعدى.


(١) راجع فى ترجمة ابن مقبل الشعر والشعراء ١/ ٤٢٤ وابن سلام ص ١٢٥ والإصابة ١/ ١٩٥ والخزانة ١/ ١١٣ وزهر الآداب ٢/ ١٩.
(٢) ابن سلام ص ١٢٥.
(٣) الحيوان للجاحظ ٣/ ٤٨.
(٤) طبرى ٥/ ٢٩.
(٥) راجع مثلا تاريخ الآداب العربية من الجاهلية حتى عصر بنى أمية لنالينو (طبع دار المعارف) ص ٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>