يقطع الأيام حزنا ... وبكاء وعويلا
فارحموا صبّا معنّى ... قلبه يذكى غليلا
ملهب الأحشاء مضنى ... بالنّوى أضحى عليلا
ذاب شوقا وحنينا ... وسقاما وأنينا
وشئون المقلتين ... تسكب الدّمع المعينا (١)
ومنذ ابن عبد ربه صاحب العقد الفريد اعتاد بعض الشعراء الذين نظموا فى الخمر والمجون أن ينظموا بعض زهديات مكفرة عن أشعارهم الماجنة، وصنع ذلك بعض الوشاحين، ونرى ابن الصباغ ومعاصره ابن عربى يختمان بعض موشحاتهما الدينية بخرجات لموشحات ماجنة نظمها بعض الوشاحين، ونفس هذه الموشحة الأولى لابن الصباغ ختمها بقوله:
وبلينا وابتلينا ... واش يقول الناس فينا
قم بنا يا نور عينى ... نجعل الشكّ يقينا
وهذه الخرجة لموشح ابن الصباغ هى نفس خرجة ابن بقى للموشحة الثامنة فى جيش التوشيح وهى موشحة ماجنة وفيها يقول ابن بقى فى أول أغصانها:
قم بنا نجلو الكؤوسا ... تحت أظلال السحاب
نتعاطاها عروسا ... حليها درّ الحباب
قهوة تعطى النفوسا ... عزّ أيام الشباب
وكأن ابن الصباغ يريد أن يكفر لابن بقى عن موشحته باستعارته لخرجتها، ولعله يريد أيضا أن يلفت عنها الشباب وقد دارت فى أفواههم إلى موشحة نبوية لعلها تدور مثلها على شفاههم. وموشحته الثانية فى التشوق إلى مكة وطيبة على ساكنها الصلاة والسلام. ختمها بخرجة استعارها من موشحة لابن خزر البجائى منشدا كما يقول عند المقام النبوى:
ثغر الزّمان الموافق ... حيّاك منه بابتسام
وكأن نزول ابن اللبانة الوشاح الأندلسى ببجاية لم يذهب هدرا، فقد نشأ بها-فيما بعد- ابن خزر على غراره. وكما أن ابن خزر نشأ على غرار ابن اللبانة فإن ابن الصباغ نشأ-فى رأينا-على غرار ابن بقى الذى أقام طويلا فى سلا والمغرب الأقصى، وسنراه ينظم موشحات مكفرة عن بعض موشحات أخرى. ولم يوضح المقرى هل ابن الصباغ مغربى أو أندلسى ويؤكد أنه مغربى أن كتب التراجم والموشحات الأندلسية لم تذكره، ونفس تكفيره عن موشحة لابن خزر البجائى يدل أو يؤكد أنه مغربى، وموشحاته إنما عرفت فى مراكش بتقديمها للمرتضى الموحدى. وتدل خاتمة موشحته الثالثة أنها مكفرة عن موشحة لابن بقى فى التغنى
(١) شئون العين: مجارى الدمع. المعين: السائل الغزير.