للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أيا إماما ندى كفّيه قد وكفا ... حسبى اعتصامى بحبل منكم وكفى

وكيف أصرف وجه القصد عن ملك ... ما صدّ عنى سنا بشر ولا صرفا

ما إن شكوت بما أضنى تطلّبه ... إلا وجدت به لى من ضناى شفا

ولا وقفت عليه منتهى أملى ... إلا قضى وطرا منه وما وقفا (١)

فى كل يوم له تجديد عارفة ... مهما انقضت هذه لهذه ائتنفا (٢)

وليس ممن يرى أن لا يتيح يدا ... حتى يقام له بشكر ما سلفا

وهو يقول لأبى عنان إن ندى كفيك قد سال وفاض على جميع الناس، وحسبى أننى أعتصم منك بعهد ومودة باقية، ولن أنصرف عن قصدك وكيف أنصرف وأنت دائما تلقانى ببشر وترحاب وما شكوت ضنا إلا شفيتنى منه، ولا أملت فيك أملا إلا حققت لى شطرا منه، وفى كل يوم يتجدد منك عارفة وإحسان وما ينقضى إحسان حتى تستأنف إحسانا آخر، وإنك لتقدم أفضالك غير منتظر على فضل شكرا. وسنفرد لأحمد بن عبد المنان شاعر أبى عنان ترجمة. ولمحمد بن أحمد الشّبوكى يمدح أبا فارس المرينى قائلا (٣):

هو الإمام الذى من أمّ ساحته ... جادت عليها بجدواها أنامله (٤)

ومن تخلّف جهلا عن إجابته ... سارت إليه على علم صواهله (٥)

قل للذى عنه أقصته جرائمه ... وعقّلته عن العليا معاقله (٦)

زر حضرة الملك الميمون طالعه ... تحظى بما أنت فى دنياك آمله

فطبعه الصّفح والمعروف شيمته ... والحلم والصّون والتقوى شمائله

فهو الإمام الذى يغمر من يقصده بعطاياه، والجاهل هو الذى يتخلف عن إجابته فتغزوه خيوله وجيوشه، وما أحرى من أبعدته عنه جرائمه وحبسته عن العلياء من الصلة به معاقله أن تبتسم له الدنيا وتتحقق له آماله إذ طبعه الصفح والغفران وشيمته زرع المعروف والحلم والصيانة والتقوى ومخافة الله.

وإذا انتقلنا إلى عصر السعديين التقينا بمعركة كبرى بينهم وبين البرتغاليين فى وادى المخازن بقرب مدينة القصر الكبير سنة ٩٨٦ هـ‍/١٥٧٨ م وكان يقود جيش البرتغاليين ملكهم سباستيان وكان السلطان عبد الملك السعدى مريضا وحضر المعركة أخوه أحمد، ومن قائل كان الجيش البرتغالي ثمانين ألفا ومن قائل كان مائة ألف، أسر أكثرهم، وقتل ملكهم فى المعركة وتوفى السلطان عبد الملك وتولى أخوه أحمد الملقب بالمنصور الذهبى.


(١) وطرا: مأربا.
(٢) عارفة: مكرمة. ائتنف: استأنف.
(٣) النبوغ المغربى ٣/ ٢٢١.
(٤) أم: قصد. جدواها: عطاياها.
(٥) صواهله: خيله.
(٦) عقلته: حبسته.

<<  <  ج: ص:  >  >>