للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقع النّبل»، وفى حديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أمرت عبد الله ابن رواحة (بهجاء قريش)، فقال وأحسن، وأمرت كعب بن مالك فقال وأحسن، وأمرت حسان بن ثابت فشفى واشتفى». ومرّ بنا فى الفصل السابق أنه لم يكن يهجو قريشا بالكفر وعبادة الأوثان، إنما كان يهجوهم بالأيام التى هزموا فيها ويعيّرهم بالمثالب والأنساب. وهذا طبيعى لأنهم كانوا مشركين فعلا، فلو هجاهم بالكفر والشرك ما بلغ منهم مبلغا، ويروى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال له: «اذهب إلى أبى بكر فليحدثك حديث القوم وأيامهم وأحسابهم، ثم اهجهم وجبريل معك» (١).

ويذهب بعض الرواة إلى أنه كان ممن خاض فى حديث الإفك الكاذب على أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها، ونراه يعلن براءته من هذا القول الآثم بأشعار يمدحها بها مدحا رائعا، من مثل قوله:

حصان رزان ما تزنّ بريبة ... وتصبح غرثى من لحوم الغوافل (٢)

فإن كان ما قد قيل عنّى قلته ... فلا رفعت سوطى إلىّ أناملى

ويظهر أن بعض المهاجرين وعلى رأسهم صفوان بن المعطّل أثاروه فى هذا الحادث، حتى وجد وجدا شديدا، فقال:

أمسى الجلابيب قد عزّوا وقد كثروا ... وابن الفريعة أمسى بيضة البلد (٣)

على أنه مضى فى نفس القصيدة يعلن إخلاصه للإسلام وأنه سيستمر فى ذبّه عن الرسول صلى الله عليه وسلم.

ويقال إنه كان ينشد الرسول شعره فى المسجد، والذى لا شك فيه أنه كان يحظى منه بمنزلة رفيعة، حتى ليروى أنه كان يرفع أزواجه إلى أطمه حين يخرج لحرب أعدائه، وكان حين يعود يقسم له فى الغنائم، وقد أهداه بستانا، كما أهداه سيرين أخت زوجه مارية القبطية، وهى أم ابنه عبد الرحمن. وكان


(١) انظر فى هذا الحديث وما قبله ترجمته فى كتب الصحابة والأغانى ٤/ ١٣٧ وما بعدها.
(٢) حصان: عفيفة. رزان: ذات وقار. تزن: تتهم. غرثى: جائعة. يريد أنها لا تغتاب النساء.
(٣) سمى بعض المهاجرين الجلابيب استصغارا لشأنهم. البلد هنا: النعام. وفى المثل هو أذل من بيضة البلد لأن النعام يترك بيضه فيحضنه غيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>