للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخلفاء الراشدون يجلّونه ويفرضون له فى العطاء. ويقال إنه وفد على معاوية وأنه عمى بأخرة.

وبحقّ سمّى حسان شاعر الإسلام ورسوله الكريم، فقد عاش يناضل عنه أعداءه من قريش واليهود ومشركى العرب راميا لهم جميعا بسهام مصمية. وقصته مع الحارث بن عوف المرّى حين قتل فى جواره داع من دعاة الرسول مشهورة، فقد قال فيه وفى عشيرته:

إن تغدروا فالغدر منكم شيمة ... والغدر ينبت فى أصول السّخبر (١)

وبكى الحارث من هجائه له بدموع غزار، واستجار بالرسول متوسلا إليه أن يكفّه عنه. وقد مضى حين قدم على الرسول وفد بنى تميم يردّ على شاعر هذا الوفد الزّبرقان بن بدر مادحا للمهاجرين مدحا رائعا. يقول فى تضاعيفه:

إن الذوائب من فهر وإخوتهم ... قد بيّنوا سنّة للناس تتّبع (٢)

يرضى بها كل من كانت سريرته ... تقوى الإله وبالأمر الذى شرعوا

إن كان فى الناس سبّاقون بعدهم ... فكلّ سبق لأدنى سبقهم تبع

أهدى لهم مدحى قلب يؤازره ... فيما أراد لسان حائك صنع

ومن المحقق أنه كان شاعرا بارعا، وقد اتفق الرواة والنقاد على أنه أشعر أهل المدر فى عصره وأنه أشعر اليمن قاطبة. وقد خلّف ديوانا ضخما رواه ابن حبيب، غير أن كثيرا من الشعر المصنوع دخله، يقول الأصمعى: «تنسب إليه أشياء لا تصحّ عنه» (٣) ويقول ابن سلام: «قد حمل عليه ما لم يحمل على أحد، ولما تعاضهت (تشاتمت) قريش واستبّت وضعوا عليه أشعارا كثيرة لا تنقىّ» (٤). وكان ممن حمل عليه غثاء كثيرا ابن إسحق فى المغازى، ولاحظ ذلك ابن هشام وهو يروى عنه السيرة النبوية، فكان يرجع إلى العلماء بالشعر وعلى رأسهم أبو زيد الأنصارى راوية البصرة المشهور يسألهم عن صحة أشعار حسان


(١) السخبر: شجر، ومن أمثالهم: ركب فلان السخبر إذا غدر.
(٢) الذوائب: الأعالى فى الشرف. فهو: قريش، يريد المهاجرين.
(٣) الاستيعاب ص ١٣٠.
(٤) ابن سلام ص ١٧٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>