للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صديقه عياضا قاضيا فى سبتة. وحكى ابن القاضى عياض فى كتابه الذى قصره على التعريف بأبيه أن أبا الحسن بن زنباع كان بينه وبين أبيه فى الشبيبة إخاء كبير، وفى الكبر وقع بينهما تقاطع إذ بلغ عياضا عنه كلام ساءه، فعاتبه واعترف ابن زنباع بالفضل له. وفى ذلك ما يدل -من بعض الوجوه-على حسن خلقه. وربما نقله المرابطون قاضيا فى بعض المدن الأندلسية مما جعله يقترب من المعارك التى سجل فيها قوادهم انتصارات ضخمة على نصارى الإسبان، ومن قوادهم العظام: سير بن أبى بكر وابن عائشة أخو أمير المسلمين على بن يوسف بن تاشفين وأخوه تميم ومحمد بن الحاج وابن فاطمة أبو محمد عبد الله ومزدلى، ولكل منهم جهاد وفتوحات عظيمة، ويقول ابن زنباع ممجدا بطلا من هؤلاء الأبطال لدولة المرابطين منوّها بفتح تمّ على يده:

لذا تصان السيوف فى الخلل ... ويفخر الخطّ بالقنا الذّبل (١)

وتكرم الخيل فى مرابضها ... برّ الفتاة العروب بالرجل (٢)

ويقطف النّبع كالحواجب أو ... أحنى وتمهى السهام كالمقل (٣)

ويؤثر الشّرّة الكمىّ إذا ... خيّر بين الدروع والحلل (٤)

فتح به أثأرت البلاد كما ... أشرفت المقربات بالنّهل (٥)

هدّت له الروم هدّة ملأت ... قلوب أبطالهم من الوجل (٦)

فما أطاقوا الولوج فى نفق ... وما أطاقوا الصعود فى جبل (٧)

كأنهم والرماح تحفزهم ... جرى فصال سلكن فى الوحل (٨)

وهو يقول لمثل هذا النصر تصان السيوف فى أغمدتها، ويفخر الخط برماحه الفاتكة، وتكرم الخيل فى مرابطها، بر الفتاة الكريمة بالرجل المحتاج لمعروفها وبرها، وتقطف أعواد شجر النبع اللينة حتى تصبح قسيّا كأقواس الحواجب، وترقق السهام وتسدد إلى صدور الأعداء كما تسدد سهام الأعين الفاتنة إلى القلوب، ولمثل هذا النصر يؤثر الشجاع حميّة الحرب وهولها إذا خيّر بين الدرع والحلة الفاخرة، فإن الدرع فى نظره أكثر نفاسة، وإنه لفتح مبين أدركت


(١) الخلل جمع خلة: غمد السيف. الخط: أرض كانت تنسب إليها الرماح الخطية. القنا: الرماح. الذبل: الحادة.
(٢) مرابضها: أماكن مقامها. العروب: الجميلة الأصيلة.
(٣) النبع: شجر تقطف غصون منه لينة كالحواجب. تمهى: ترقق منها السهام وتسدد.
(٤) الشرة: شدة الحرب وشدة القتال. الكمى: الشجاع.
(٥) أثأرت البلاد: أدركت لها ثأرها. المقربات: الخيل العطشى طوال ليلة. النهل: الشرب الأول.
(٦) الوجل: الفزع.
(٧) الولوج: الدخول.
(٨) فصال جمع فصيل: ولد الناقة أو البقرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>