للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

به للبلاد ثأرها من أعدائها، وإنها لتستشرف به فتوحا متوالية كما تستشرف الخيل الكريمة التى ظلت تعدو ليلة طويلة ظامئة إلى الماء أنها ستنهل منه إذ تراه فجأة أمامها، ولقد سحق الروم سحقا ملأ قلوب أبطالهم بالوجل والفزع فما استطاعوا الدخول فى نفق ولا الصعود فى جبل حتى لكأنهم فصال أو أولاد نوق يسيرون فى وحل، ولا يستطيعون السير، بل يتعثرون ويقعون بالعشرات فى شباك الأسر. وبطولة ثانية صورها لمعركة أخرى من معارك المرابطين، وفيها يقول:

سل الحرب عنهم والسيوف جداول ... تدفّق والأرماح رقط تنضنض (١)

وبالأرض-من وقع الجياد-تمدّد ... ولكنه-فيما تروم-تقبّض

وبالأفق للنّقع المثار سحائب ... مواخض لكن بالصواعق تمخض (٢)

وقد سهكت تحت الحديد من الصّدا ... جسوم بما علّت من المسك ترحض (٣)

وأشرفت البيض الرّقاق على الطّلى ... لتكرع فيها والرءوس تخفّض (٤)

فلست ترى إلا دماء مراقة ... تخاض إلى أكباد قوم تخضخض (٥)

وابن زنباع يقول سل الحرب عن شجاعة المرابطين وبأسهم، والسيوف فى أيديهم كأنها جداول تتدفق بالدماء، والرماح تلوكها وتستحيل رقطا ملطخة بها، والأرض تحت حوافر خيلهم كأنها تتمدد، وهى فى الواقع تطوى طيا، وبالأفق للغبار المثار سحائب حوامل صواعق مهلكة من الأسلحة والعتاد الحربى وقد تغيرت أجسام الأبطال تحت الحديد من الصدأ بما تغسل به من المسك مرارا، وفى أيديهم السيوف وقد سلت على أعناق الأعداء كأنما تريد أن ترتوى منها بينما تهوى الرءوس إلى الحضيض، فلست ترى إلا أنهارا من الدماء تقتحم إلى أكباد الأعداء.

وكان حريا بالفتح بن خاقان صاحب قلائد العقيان أن يضيف فى ترجمة ابن زنباع إلى هاتين البطولتين للمرابطين ما وصفه من بطولات أخرى لهم فى الأندلس، وعلى الأقل كان ينبغى أن يورد قصيدتى البطولتين اللتين ذكرهما كاملتين وأن يذكر القائدين اللذين يمدحهما ابن زنباع بقصيدتيه وموقعتيهما الحربيتين، وسنلتقى بابن زنباع فى عرضنا لأشعار الغزل والطبيعة لتتضح شخصيته الشعرية.


(١) رقط: جمع أرقط: ما كان بلونه بقع مثل النمر. تنضنض: تلوك.
(٢) النقع: غبار الحرب. مواخض: حوامل. تمخض: تحمل.
(٣) سهك الشئ: تغيرت رائحته. علت: الشرب الثانى بعد النهل. ترحض: تغسل.
(٤) البيض الرقاق: السيوف. الطلى: الأعناق. كرع: شرب.
(٥) مراقة: سائلة. تخاض: تقتحم. تخضخض: خوض فى أكبادهم

<<  <  ج: ص:  >  >>