شدّت إليك على الرّياح سروج ... أين الفرار بأهلكم ياجوج
ثم اتجه بالخطاب إلى عبد المؤمن فقال:
عصفت بدعوتك الرياح الهوج ... وسطا بأمرك ذابل ووشيج (١)
وتقدّمتك إلى العدوّ مهابة ... يشقى بها فى سدّه ماجوج
وهو يشير بياجوج وماجوج إلى ما جاء فى سورة الكهف عن يأجوج ومأجوج وأنهما مفسدون فى الأرض وأن قومهم لجئوا إلى ذى القرنين ليرفع عنهم فسادهم، يقول جلّ شأنه:{قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا} وكأن إفسادا كبيرا حلّ ببجاية جعل أهلها يستغيثون بعبد المؤمن ليرفع عنهم هذا الإفساد الذميم، ويسمى الشاعر يحيى بن العزيز تارة باسم يأجوج وتارة باسم مأجوج. ويفتح عبد المؤمن بجابة، ويعود إلى عاصمته مراكش، ويستقبل فى شهر شوال سنة ٥٥٢ مصحف عثمان الذى أمر بنقله من قرطبة إلى مراكش، ويمتدحه ابن حبّوس بهذه المناسبة منشدا من قصيدة:
سيشكر المصحف اكبابكم ... عليه إذ أوجده الفقد
مصحف ذى النّورين عثمان ما ... كان لكم عن صونه بدّ
ما اختار شيئا مؤنسا غيره ... حين أتى-واقترب-الوعد
أوسعتم الدنيا اطراحا وما ... كان لكم إلا به وجد
يحنو عليه العطف منكم ولا ... يغبّه الإشفاق والودّ
ألبستموه حلية لم يكن ... يسمح للكفّ بها الزّند
وهو يبالغ إذ يقول إن المصحف سيشكر له عنايته به ونقله إلى مراكش لصونه خشية فقده، وهو مصحف عثمان الذى استشهد وهو بين يديه يتلو فيه، وقد اتخذه مؤنسه فى اللحظات الأخيرة من حياته وإنكم لتشغفون به أكبر الشغف. ودفعته مبالغاته فى مديح عبد المؤمن إلى أن يقول إنه يحنو على المصحف بعطفه، ودائما يودّه ويشفق عليه. وله فى المصحف أخرى زاد فيها من مثل هذه المبالغات وأفرط، وأشار ابن حبوس فى البيت الأخير إلى تجديد عبد المؤمن لدفتى المصحف وتحليتهما بالجواهر النفيسة بحيث لم تعد الكف الواحدة تستطيع حمله. وكان النورمان قد استولوا على المهدية وطرابلس واستغاث