للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أهلهما بعبد المؤمن فلبّاهم بجيش جرار قلّم به أظفار أمراء الجزائر وإفريقية التونسية الخارجين عليه وفتح المهدية سنة ٥٥٥ هـ‍/١١٦٠ م وطرد النورمان منها ومن سواحل إفريقية التونسية وطرابلس. ويهنئه ابن حبوس بفتح المهدية مقارنا فى مطلعها بين المهدى العبيدى الذى بناها واختار لها لوقت بنائها برج الأسد وبين عبد المؤمن الذى خلصها من النورمان:

بطالع الأسد اختطّ البناء بها ... لكنك الأسد الدّامى الأظافير

ويقول ابن عبد الملك فى الذيل والتكملة: «بعد انصراف عبد المؤمن من فتح المهدية سنة ٥٥٤ هـ‍/١١٥٩ م فارقه ابن حبوس وعاد إلى مسقط رأسه فاس فاستوطنها» ويبدو أنه كان يرحل إليه من فاس مادحا بمثل قوله فى إحدى مدائحه:

أمير المؤمنين لقد أضاء ال‍ ... زّمان بنور عدلك واستنارا

لكم شرقا البلاد ومغرباها ... وأمركم مع الفلك استدارا

ومن قد فرّ عنكم من عدوّ ... فنحوكم إذا يبغى الفرارا

ولو خوّفتم أعلام رضوى ... لما سكنت ولا وجدت قرارا

والمبالغة واضحة فى الأبيات، فالفلك يجرى طوع أمره، ومن فرّ عنكم لا بد أن يفر إليكم إذ تملئون عليه جميع مسالكه، وحتى لو خوّف عبد المؤمن جبال رضوى الراسخة فى المدينة من قديم ما استقرت ولا وجدت لها قرارا. وصاحب المعجب محق حين يرى عنده هذه المبالغات المفرطة فيشبّهه بابن هاني فى مديح المعز الفاطمى وما يضمّنه من تهويلات وقعقعات. ونراه يرافق عبد المؤمن فى أواخر سنة ٥٥٥ حين عبر الزقاق من سبتة إلى مرفأ جبل طارق، واحتفل الناس بقدوم عبد المؤمن احتفالا عظيما، ولما أذن للشعراء بالإنشاد بين يديه أنشده شعراء كثيرون أندلسيون ومغاربة وفى مقدمتهم ابن حبوس: ومن قوله فى قصيدته:

بلغ الزمان بهديكم ما أمّلا ... وتعلّمت أيامه أن تعدلا

وبحسبه أن كان شيئا قابلا ... وجد الهداية صورة فتشكّلا

ولأنتم الحقّ الذى لا يمترى ... فيه وليس بجائز أن يجهلا

ولأنتم سرّ الإله وأمركم ... ملأ العوالم مجملا ومفصّلا

عزلت ولاة الحسّ عن إدراكه ... فهو المنزّه حسبه أن يعقلا

ولو أننا لم نعرف ناظم هذا الشعر وممدوحه وسمعناه لظننا أنه ابن هاني يمدح المعز الفاطمى لهدايته للزمان وتشكيله له مع العدالة، وإنه للحق الذى لا شك فيه بل سر الإله، وأمره يملأ العالم وإنه ليعز على الحسّ أن يدرك كنهه إنما يدركه العقل. وأنشد له ابن عبد الملك قصيدة فى دعوة الموحدين والزهد والتمسك به، وفيها هاجم الفلسفة والمتفلسفة، وله أشعار بديعة فى الوصايا والأمثال وذم الزمان والاعتبار، وعاش حتى سنة ٥٧٠ هـ‍/١١٧٤ م.

<<  <  ج: ص:  >  >>