للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أوتار العيدان تحكى بغنائها مزامير داود الذى ألان له الله الحديد، وتشدو بأنغام الرصد والزيدان، وتنحّى عن المحب ما بقلبه من كرب الحب بل تجعله كأنه أسير لحبه يردد صبابته فيه، والبان يرقص من ترديد صوتها وترنمها طربا، والزهر يضحك عن ثغور لؤلؤية، والأمطار تنسكب والظل ينسحب، ويهب نسيم منعش. ونمضى إلى بواكير العصر العلوى، ويقول أبو على اليوسى المتوفى سنة ١١٠٢ للهجرة فيما بين الزهر والمطر من علاقة قديمة (١):

إن بين الغمام والزّهر الغ‍ ... ضّ لرحما قديمة وإخاء

بان إلف عن ألفه فتوارى ... فى الثّرى ذا وذاك حلّ السماء

فإذا ما الغمام زارت جنابا ... آذنت فيه بالحبيب اللقاء

ذكرت عهده القديم فحنّت ... عند لقياه فاستهلّت بكاء

فترى الزّهر بارزا من خبايا ... هـ يحيّى الوفود والأصدقاء

راقصا والصّبا تهنّيه والور ... ق غوانى القيان تشدو غناء

وهو يقول إن بين الغمام والزهر مودة قديمة وإخاء، وقد بان كل عن صاحبه فالزهر توارى فى الثرى والغيم تعالى فى السماء، فإذا ما الغمام زار ناحية آذنت حبيبها فيه باللقاء ويذكر الغمام عهده القديم فيبكى بمطر منهمر، وترى الزهر بارزا من كل مكان يحيى وفود أصدقائه من الأمطار، وكأنه يرقص وريح الصبا تهنّيه، والحمام قيان الرياض يشدو غناء. ويقول ابن زاكور المتوفى سنة ١١٢٠ للهجرة يصف روضا (٢):

مدّ للسّلوان أشراك النّظر ... فى ابتهاج الروض من وجد المطر

وتلقّ الأنس عن آس الرّبى ... وارو طىّ النّور عن نشر السّحر

وارتشف ثغر أقاح باسما ... واصطبح بالطلّ من كأس الزّهر

والتثم وجه المنى مستبشرا ... حيث رام الغصن تقبيل النّهر

وجلا الورد خدودا أشربت ... خمرة العقيان من فرط الخفر

وحبا الخيرىّ أنفاس الصّبا ... نفحات أنشرت ميت الفكر

وانبرى النّسرين يهدى ذهبا ... فى صحاف مترعات من درر

نظّمت فى جيده أنداؤه ... عقد درّ كلما ماس انتثر

وهو معجب بروض بديع، ويقول: مدّ فيه حبالات النظر لعلك تجلب لنفسك شيئا من ابتهاج الروض بما سقط عليه من المطر، وتلقّ الأنس فيه عن آس الربى البديع، وتمتع بروائح النور أو الزهر التى نشرها فى السحر، وارتشف السرور من ثغر الأقاح الباسم.


(١) النبوغ المغربى ٣/ ١٤١.
(٢) النبوغ المغربى ٣/ ١٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>