للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكأن ماء البحر ذائب فضّة ... قد سال فيه من النّضار خليج

وهو يقول إنها سفينة بديعة الصنع سرنا عليها والبحر تارة يسكن وتارة يموج، وعرجنا نؤمّ أماكن طيبة وعرّج معها الأنس، وامتد أمامنا من شمس الأصيل نور بهيج، وكأن ماء البحر فضة ذائبة امتدت فوقه شمس الأصيل فاستحال خليجا من النضار أو الذهب. ويقول عبد المهيمن الحضرمى المتوفى سنة ٧٤٩ للهجرة فى وصف السّحر وانبثاق أضواء الفجر (١):

تراءى سحير والنسيم عليل ... وللنّجم طرف بالصباح كليل

وللفجر نهر خاضه الليل فاعتلت ... شوى أدهم الظلماء منه حجول (٢)

فمزّق ساجى الليل منه شرارة ... وخرّق ستر الغيم منه نصول

تبسّم ثغر الروض عنه ابتسامة ... وفاضت عيون للغمام همول (٣)

ومالت غصون البان نشوى كأنها ... يدار عليها من صباه شمول (٤)

وغنّت على تلك الغصون حمائم ... لهن حفيف دونها وهديل (٥)

إذا سجعت فى لحنها ثم قرقرت ... يطيح خفيف دونها وثقيل (٦)

وهو يقول إن السحر تراءى ومعه نسيم رقيق وأصاب طرف النجم ببعض الكلال، وكأنما الفجر نهر خاضه الليل فاعتلى أطراف حصان الظلماء بياض فى قوائمه، ومزقت منه شرارة سكون الليل وخرّق ستار الغيم منه ما يشبه نصول الرماح، وتبسم ثغر الروض، وفاض الغمام بسيول من المطر، وانتشت غصون البان وكأنما يدار عليها كئوس من ريح الصبا الجميلة، وأخذ الحمام يغنى على الغصون، ويسمع حفيفه وهو يسقط على الأغصان وترانيمه، ويقول إن الحمائم إذا ترنمت وردّدت صوتها فاق لجماله الخفيف والثقيل مما يلحّنه المغنون. وينشد أحمد بن يحيى الشّفشاوى المتوفى أيام المنصور السعدى سنة ١٠٠١ للهجرة فى روض (٧):

أما ترى الطير بالأدواح ساجعة ... أدمت أناملها أوتار عيدان

تحكى مزامير من لان الحديد له ... تشدو بالاجزال فى رصد وزيدان (٨)

تنفى عن الصبّ ما بالقلب من كرب ... بل تترك الصبّ فى تيه الهوى عانى

والبان يرقص من ترجيعها طربا ... والزهر يفترّ عن أثغار مرجان

والماء منسكب والظلّ منسحب ... وللنسيم هبوب ينعش الفانى

وهو يقول إن الطير يترنم فى الأشجار وقد أدمت أناملها الحمراء ما تقف عليه متغنية من


(١) الوافى ٢/ ٤٤٦.
(٢) شوى: أطراف ويريد القوائم. حجول: بياض.
(٣) همول: دافقة.
(٤) شمول: خمر.
(٥) هديل: صوت الحمام.
(٦) قرقرت: رددت. يطيح: يسقط.
(٧) النبوغ المغربى ٣/ ١٣٧.
(٨) الرصد والزيدان: من ألحان الغناء.

<<  <  ج: ص:  >  >>