للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

داى وسبتة وكم من مفازة متباعدة الجانبين مقفرة، وإن سحّ المياه بأرضها ليذكرنى دموع زوجتى وأولادى ورائى يوم رحلت، وإنّي لتعجبنى خمائل داى الناضرة ذات المنظر الجميل، ولعل الله الذى حكم بالتفرق بينى وبين أهلى يجمع الشمل بعد فراق وبعد بعيد. ويقول أبو الربيع الموحدى فى وصف الربيع (١):

حىّ الربيع بما وشّت أزاهره ... ونظّمت من أكاليل على الشّجر

ودبّجت فوق متن الروض من حلل ... ونمّقته بألوان من الزّهر

من نرجس ساحر الألحاظ ذى غنج ... ومن أقاح نقىّ الثّغر ذى أشر (٢)

بما تضوّع روض الزهر غبّ حيّا ... تأكّد الشكر للنّعما على البشر

لا يحسب الناس أن الروض فاح لهم ... طوعا ولكنّه يثنى على المطر

وهو يطلب من كل قارئ له أن يحيى الربيع بما وشت ونقشت أزاهره وبما نسقت من تيجان الزهر على الشجر وبما زينت الروض من حلل نمّقتها بألوان من الزهر: من نرجس مدلّ ساحر الألحاظ ومن أقاح ذى حزوز نقى الثغر، وقد وجب الشكر على الناس لهذه النعمة العظيمة مما ينشر روض الزهر عقب الحيا أو المطر من عطر زكى، ولا يظن الناس أن الروض فاح به لهم، وإنما فاح به ثناء وشكرا للمطر. ويقول أبو القاسم الشريف السبتى المشهور بالغرناطى المتوفى سنة ٧٦٠ فى ناعورة (٣) (ساقية):

وذات سير إذا حثّت ركائبها ... حنّت فراقتك فى مرأى ومستمع

كأنها فلك دارت كواكبه ... على الرياض بنوء غير منقشع

تماثل السّحب صوبا بل تخالفها ... إذا استهلّ حيا الهتّانة الهمع (٤)

هذى من الماء تعلو كلّ منخفض ... وتلك تنزل منه كلّ مرتفع

يقول إنها إذا أسرعت دواليبها سمعت صوتا فيه حنان فراقتك فى منظرها وصوتها، وكأنها فلك دارت كواكبه أو دواليبه على الرياض بمطر مستمر لا ينقشع. ويقول إنها تماثل السحب فيما تسقط من مطرها، ويعود، فيقول بل تخالفها إذا انهمرت أمطارها، فالناعورة تسقى كل منخفض بينما السحب تسقى المرتفعات من الجبال والتلال. ويقول فى وصف سفينة تمخر به البحر:

وغريبة الإنشاء سرنا فوقها ... والبحر يسكن تارة ويموج

عجنا نؤمّ بها معاهد طالما ... كرمت فعاج الأنس حيث تعوج

وامتدّ من شمس الأصيل أمامنا ... نور له مرأى هناك بهيج


(١) الوافى ١/ ٢٠٥.
(٢) أشر: حزوز. والشعراء يشبهون الثغور بالأقاح.
(٣) انظر فى هذه الأبيات وتاليتها الوافى ٢/ ٤٣٥.
(٤) الهتانة الهمع: السحابة الهاطلة.

<<  <  ج: ص:  >  >>