للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سلبت تماثلها الحجا لما اغتدت ... تزهو بحسن طرازها تذهيبا (١)

ولقد تشامخ فى العلوّ سماكها ... فجرى على الفلك المنير جنيبا (٢)

وسما إلى الشّهب الزواهر فاغتدى ال‍ ... إكليل منها تاجها المعصوبا (٣)

أضنى الغزالة حسنه حسدا لذا ... أبدى عليها للأصيل شحوبا (٤)

وانقضّت الزّهر المنيرة إذ رأت ... زهر الرياض به ينور عجيبا (٥)

وهو يقول إن تماثلها (تماثيلها والصور المنقوشة فى القصر) سلبت العقول بما تزهو به من طرزها المذهبة، وقد تمادى فى الارتفاع سماكها حتى غدا القصر كأنه مجنوب تابع للفلك العلوى، وظل فى ارتفاعه حتى استقر بين النجوم، وأصبح كأنه المجموعة النجمية المسماة بالإكليل، بل غدا كأنه تاجها المعصوب. وناهيك بحسنه، فقد أضنى الشمس وبدا شحوبها واضحا فى وقت الأصيل، أما النجوم المنيرة فانقضّت إذ شاهدت أنوار زهر رياضه تضيء ضياء عجيبا. وله مما كتب على بهو فى القصر بمرمر أسود فى مرمر أبيض:

لله بهو عزّ منه نظير ... لما زها كالروض وهو نضير

رصفت نقوش بناه رصف قلائد ... قد نضّدتها فى النّحور الحور (٦)

فكأنها والتّبر سال خلالها ... وشى وفضّة تربها كافور (٧)

شأو القصور قصورها عن وصفه ... سيّان فيه خورنق وسدير

فإذا أجلت اللحظ فى جنباته ... يرتدّ وهو بحسنه محسور (٨)

صفّت بضفّتها تماثل فضّة ... ملك النفوس بحسنها تصوير (٩)

ما بين آساد يهيج زئيرها ... وأساود تسلى لهنّ صفير

وهو يقول ما أروعه بهوا يعز نظيره لما يجرى فيه من نضرة وجمال، وقد صفّفت نقوش بنائه تصفيف قلائد سوّتها على النحور فاتنة أو فاتنات، وكأن هذه النقوش والتبر يسيل خلالها وشى بديع ونقوش على فضة شديدة البياض كزهر الكافور. إن البديع ليسمو على كل القصور حتى على قصرى الخورنق والسدير اللذين كانا بقرب الحيرة فى الجاهلية، وحين تجيل البصر فى جوانبه يرتد حسيرا كليلا لروعة ما تشاهد، وقد صفت بضفة هذه النقوش صور فضية تخلب الألباب بجمال تصويرها سوى ما تراه هناك من آساد يخيل إليك أنها حية تزأر وجماعات


(١) تماثلها: تماثيلها المنقوشة فى القصر. الحجا: العقل.
(٢) جنيبا: محاذيا له.
(٣) الشهب: النجوم. المعصوب: المعقود.
(٤) الغزالة: الشمس.
(٥) ينور: يضيء.
(٦) نضدتها: نسقتها.
(٧) التبر: الذهب.
(٨) محسور: كليل ضعيف.
(٩) تماثل: تماثيل ونقوش.

<<  <  ج: ص:  >  >>