للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الطير كأنها تصفر صفيرا متصلا. ويتسع فى وصف قبة القصر، وما تشرف عليه من النهر والأزهار، ويستهل وصفه بقوله على لسانها:

سموت فخر البدر دونى وانحطّا ... وأصبح قرص الشمس فى أذنى قرطا

وصغت من الإكليل تاجا لمفرقى ... ونيطت بى الجوزاء فى عنقى سمطا (١)

ولاحت بأطواقى الثريّا كأنها ... نثير جمان قد تتبّعته لقطا

وعدّيت عن زهر النجوم لأننى ... جعلت على كيوان رحلى منحطّا (٢)

وأجريت من فيض السماحة والنّدى ... خليجا على نهر المجرّة قد غطّى

والقبة تقول إننى سموت وتعاليت فى السماء، فسقط البدر دونى وأصبح قرص الشمس فى أذنى قرطا، وجعلت من نجوم الإكليل تاجا لمفرق رأسى، وتعلقت نجوم الجوزاء فى جيدى عقدا ثمينا، ولاحت فى الأعالى الثريا ونجومها وكأنها فتات فضة تعقّبته لقطا، وتجاوزت النجوم إلى كيوان (زحل) ووضعت عليه رحلى، وأجريت من السماحة والندى خليجا غطى على نهر المجرة فى السماء وفاقه. ويستمر فى وصف النهر الذى تشرف عليه القبة:

تنضنض ما بين الغروس كأنه ... وقد رقرقت حصباؤه حيّة رقطا (٣)

حواليه من دوح الرياض خرائد ... وغيد تجرّ من خمائلها مرطا (٤)

إذا أرسلت لدن الفروع وفتّحت ... جنى الزهر لاح فى ذوائبها وخطا (٥)

يرنّحها مرّ النسيم إذا سرى ... كما مال نشوان تشرّب إسفنطا (٦)

يشقّ رياضا جادها الجود والندى ... سواء لديها الغيث أسكب أم أبطا

وسالت بسلسال اللجين حياضه ... بحارا غدا عرض البسيط لها شطّا (٧)

تطلّع منها وسط وسطاه دمية ... هى الشمس لا تخشى كسوفا ولا غمطا (٨)

حكت وحباب الماء فى جنباتها ... سنا البدر حلّ من نجوم السما وسطا

وهو يقول إن النهر تجرى مياهه بين الغروس كأنه وقد تبدت حصباؤه حيّة رقطاء، وحواليه شجر بض ناعم كالخرائد والغيد الحسناوات اللائى يتأنقن فى ثيابهن، ويخيل إليك إذا تفتح الزهر فى أعالى فروعها اللدنة كأنه وخط شيب يجتمع فيه السواد والبياض، ويميلها النسيم مترنحة إذا مر بها كما مال مخمور شرب خمرة الإسفنط المعتّقة، وإنه ليشق رياضا يهطل


(١) نيطت: علقت. سمطا: عقدا.
(٢) كيوان: كوكب زحل.
(٣) تنضتض: سال. رقرقت: لمعت. رقطاء: بلونها نقط.
(٤) خمائلها: حللها. مرط: ذيل طويل للثوب.
(٥) ذوائبها: نواصيها. وخطا: شيبا.
(٦) الإسفنط: خمر معتقة.
(٧) اللجين: الفضة. البسيط: المنبسط من الأرض.
(٨) الغمط: الانتقاص.

<<  <  ج: ص:  >  >>