للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليها جود المنصور الذهبى وعطاياه. ولذلك سواء لديها أسرع الغيث الحقيقى فى انسكابه أو أبطأ، وتلك حياضه تسيل بأسراب الفضة بحارا تسقى الزروع، وتزين تلك الحياض دمية جميلة كأنها الشمس لا تخشى كسوفا ولا غمطا (انتقاصا)، ويقول إن هذه الدمية وما يتناثر حولها من حباب الماء كالبدر ومن حوله النجوم وسط السماء. ويعود إلى وصف القبة منشدا:

إذا غازلتها الشمس ألقى شعاعها ... على جسمها الفضىّ نهرا بها لطّا (١)

توسّمت فيها من صفاء أديمها ... نقوشا كأن المسك ينقطها نقطا

إذا اتسقت بيض القباب قلادة ... فإنى لها فى الحسن درّتها الوسطى

تكنّفنى بيض الدّمى فكأنها ... عذارى نضت عنها القلائد والرّيطا (٢)

قدود ولكن زادها الحسن عريها ... وأجمل فى تنعيمها النحت والخرطا

نمت صعدا تيجانها فتكسّرت ... قوارير أفلاك السماء بها ضغطا

فيا لك شأوا بالسعادة آهلا ... بأكنافه رحل العلا والهدى حطّا (٣)

وهو يقول إذا انعكست على القبة أشعة الشمس خلت كأن نهرا من الضياء والنور التصق بها مقابلا للنهر الذى يجرى بجوارها، وخيّل إلىّ من صفاء بياضها وما عليه من النقوش كأنما نقطها المسك، ويقول إذا تحولت القباب البيضاء فى أعالى القصور العظيمة قلادة كانت درّتها الوسطى وقبتها الفريدة التى لا تماثلها قبة. ويقول على لسانها إن الدمى البيضاء أحاطت بى عارية، وكأنها عذارى خلعت عنها القلائد والثّياب وكل زينة، قدود ممشوقة وقد زادها العرى حسنا، والنحت والخرط نعومة ورشاقة، وتعالت تيجانها صاعدة فى السماء حتى حطمت قوارير أفلاكها من النجوم والكواكب، وما أعظمها قبّة شامخة آهلة بالسعادة وقد هبط فى أكنافها وجوانبها رحل العلا والهدى، ويمضى منشدا:

وكعبة مجد شادها العزّ فانبرت ... تطوف بمغناها أمانى الورى شوطا

ومسرح غزلان الصّريم كناسها ... حنايا قباب لا الكئيب ولا السّقطا (٤)

فلكن به ما طاب لا الأثل والخمطا ... ووسّدن فيه الوشى لا السّدر والأرطى

ثراه من المسك الفتيت مدبّر ... إذا مازجته السحب عاد بها خلطا

وإن باكرته نسمة سحرا سرى ... إلى كل أنف عرف عنبره قسطا

أقرّت له الزهراء والخلد وانثنت ... أواوين كسرى الفرس تغبطه غبطا

وهو يقول يا لك قبة كأنها كعبة رفعها العز فى عنان السماء وإن أمانى الناس لتطوف بها


(١) لطّ بها: التصق.
(٢) الريط: ملاءة.
(٣) الشأو: الهمة العظيمة ويريد بناء القبة الشامخة.
(٤) الصريم: القطيع. كناسها: بيتها. السّقط: منقطع الرمل.

<<  <  ج: ص:  >  >>