للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أرجّة الصّعق يوم النّفخ فى الصّور ... أم دكّة الطّور يوم الصّعق فى الطور

أم هدّة الأرض إظهارا لما زجرت ... به الخليقة من إيقاع محذور

أم الكواكب فى آفاقها انتثرت ... وباتت الشمس فى طىّ وتكوير

ما للنهار تعرّى من ثياب سنا ... وشابه الليل فى أثواب ديجور

أصخ لتسمع من أنبائها نبأ ... يطوى من الأنس فيها كلّ منشور

وافى مع العيد لا عادت مضاضته ... فشاب سلساله الأصفى بتكدير (١)

نوّارة عند ما راقت بدوحتها ... أهوت إلى التّرب من بين النواوير

جار الذبول عليها عند ما ملأت ... معاطس الدّهر من طيب وتعطير

وهو يتصور كأن موت هذا الشاب رجّة الصعق يوم ينفخ فى الصور، فيصعق من فى السموات والأرض ويهبّون من مراقدهم ليوم القيامة، أو كأنه دكة الطور حين طلب موسى من ربه رؤيته، أو كأنما الأرض هدّت وتناثرت الكواكب وكوّرت الشمس، كما جاء فى الذكر الحكيم عن يوم القيامة. وهى مبالغات يتحملها الشعر وحتى النهار تعرّى من ثياب ضيائه وغطاه الليل بظلامه. ويقول لمخاطبه: أرهف سمعك لنبأ طوى كل أنس وكل سرور، نبأ وافى فى أواخر رمضان مع العيد، فكدّر كل صاف فيه، وما النبأ؟ زهرة حينما زهت وتفتحت على شجرتها وراقت الأعين والأنفس سقطت إلى الترب من بين أخواتها من الزهرات والنواوير، وجار الذبول عليها فهوت عند ما ملأت أنوف الدهر من أريج طيبها وعطره. ويفضى إلى عزاء ابن الجد بأن كل ما على وجه الأرض فان، فينبغى أن يسلم الأمر لربه، إذ كل شئ يفنى بتدبير محكم، وما الكون إلا صحيفة كبرى والناس فيها أحرفه بين ممحوّ ومبتور، فلا تخدعك الليالى، ويورد عليه أسماء بعض الملوك والأنبياء، ممن طواهم الدهر وبادوا، ويقول له فى خاتمة قصيدته: سلّم للقضاء تسليم مأجور مثاب على تسليمه. ولابن رشيد المتوفى حول سنة ٧٢٠ للهجرة قصيدة بكى فيها ابنه محمدا بكاء مؤثرا يقول فيه (٢):

شباب توى شابت عليه المفارق ... وغصن ذوى تاقت إليه الحدائق (٣)

على حين راق الناظرين بسوقه ... رمته سهام للعيون رواشق (٤)

محمد إنّ الصبر فيك مصارم ... محمد إن الوجد فيك مصادق (٥)


(١) مضاضته: ألمه.
(٢) الوافى ٢/ ٣٩١.
(٣) توى: هلك.
(٤) بسوقه: ارتفاع شأنه.
(٥) مصارم: مقاطع.

<<  <  ج: ص:  >  >>