للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الساطعة، ولم يحمها فضلها ولا كرمها مما نزل بها من كسوف، ولئن ماتت فكم أحيت مواهبها وعطاياها تعسا وأنقذته مما يغمره من كآبة وهم، وكم حنت على يتيم ورعته حين نبذته أمه، وحقا إن ماتت فما مات ما كان يزينها من أفضال وسمو لا نظير له. وفى زيارة مقبرة يقول الطيب بن مسعود المرينى المتوفى سنة ١١٤٥ هـ‍/١٧٣٣ م (١):

أتيت القبور أداوى بها ... قساوة قلبى التى أجد

وقمت أسائل عن أهلها ... وهيهات لا خبر يوجد

رأيت مصارعهم عبرة ... تذيب حشاشة من يشهد

أقاموا قليلا وقد رحلوا ... وغابوا وبالعود ما وعدوا

دعاهم على الرّغم داعى الرّدى ... فلبّوه حين انقضى الأمد

وقد هدم الموت لذّاتهم ... وغيّر عيشهم الأرغد

وحلّوا بطون الثّرى تحتهم ... تراب وفوقهم جلمد

وهو يقول إنه أتى القبور يداوى بها قساوة قلبه، وأخذ يسائل عن أهلها، ولا نبأ ولا خبر عنهم، ويقول إن مصارعهم عبرة لمن يفكر فيهم حتى لتذوب روحه أسى، فقد أقاموا فى دنياهم ورحلوا عنها وغابوا دون وعد بالرجوع أو الإياب، وقد دعاهم داعى الهلاك فلبّوه حين انقضى الأجل، وقد أتى الموت على لذاتهم، وبدّل عيشهم الرغد الهنئ وحلوا بطون الثرى، تحتهم تراب وفوقهم صخور، فحرىّ بالإنسان أن يعتبر ويتعظ. ولعلى مصباح الزّرويلى المتوفى سنة ١١٥٠ للهجرة فى تأيين الفقيه جسّوس الشهيد (٢).

حلّ بالدين يا لقومى بلاء ... أحجمت دون وصفه الشعراء

قتل اليوم أعلم الأرض ظلما ... فبه للإسلام حقّ العزاء

قتلوه من أجل أن كان أستا ... ذا أعزّته السّنّة السّمحاء

قتلوه من أجل أن كان للشّر ... ع حساما تهابه الأمراء

قتلوه أن كان للحق قوّا ... لا وما إن تضلّه الأهواء

يا لها من مصيبة سار فى الأر ... ض وفوق السّما بها الأنباء

عمّت المسلمين رزءا فأضحت ... كلّ عين منهم عراها البكاء

والزرويلى يجعل موت الفقيه جسوس بلاء حلّ بالدين الحنيف، فقد قتل ظلما أفقه الأرض وأعلمها، وإن الإسلام ليعزّى فيه. ويقول إنهم قتلوه، إذ رأوه يحمى الشرع والسنة النبوية، وكان يقول الحق ولا يخشى فيه أحدا. ويقول ما أعظمها مصيبة سارت بها الأنباء وطارت


(١) النبوغ المغربى ٣/ ٢٩٨.
(٢) النبوغ المغربى ٣/ ٢٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>