للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

روحه فى جهاد أعداء الدين، فنعمت الوفاة ونعمت الشهادة، ولئن يلى جسده فإن ذكراه ستظل تتجدد خالدة. ويدعو له ربه أن يتعهده برحمته وكرمه، إنه نعم الرحيم الكريم. وفى النبوغ المغربى للشيخ القصار فى رثاء أبويه مرثية، يقول فيها (١):

زر والديك وقف على قبريهما ... فكأننى بك قد نقلت إليهما

كانا إذا ما أبصرا بك علّة ... جزعا لما تشكو وشقّ عليهما

كانا إذا سمعا أنينك أسبلا ... دمعيهما أسفا على خدّيهما

وتمنّيا لو صادفا لك راحة ... بجميع ما يحويه ملك يديهما

بشراك إن قدّمت فعلا صالحا ... وقضيت بعض الحق من حقّيهما

وقرأت من آى الكتاب بقدر ما ... تسطيعه وبعثت ذاك إليهما

وهى مرثية للأبوين فريدة فى العربية ووصية لكل ابن توفى أبواه أن يزور قبريهما فإنه موشك على اللحاق بهما، ويقول لكل ابن إنهما كانا عطوفين عليك عطفا لا حدّ له، فكانا إذا رأوك مريضا تشكو جزعا لشكواك جزعا ما مثله جزع، وإذا سمعا أنينك من علة ذرفا دموعهما على خدّيهما مدرارا، وتمنيا لو أتيحت لك راحتك بجميع ما يملكون فى دنياهم. وبشراك بما سينالك من جزاء ربك إن عملت فعلا صالحا وقضيت بعض ما لوالديك من حقوق، وأول حق لهما أن تقرأ ما تستطيع من آيات القرآن الكريم وتهديه إلى روحهما، ليتقبّلهما الله قبولا حسنا. ويقول ابن زاكور المتوفى سنة ١١٢٠ هـ‍/١٧٠٩ م فى العصر العلوى يرثى سيدة فاضلة من أهله (٢):

سقى الرحمن قبرا ضمّ شخصا ... تسربل بالمكارم وارتداها

ونضّر مضجعا لفتاة صدق ... حوى غرر الفضائل إذ حواها

لقد كانت تحضّ على المعالى ... وتندب للمكارم من أباها

وألبسها المنون حلى كسوف ... فهلاّ فضلها الوافى حماها

فكم أحيت مواهبها كئيبا ... أحلّته النوائب فى حماها

وكم ربّت بأنعمها يتيما ... قلته أمّه حتى سلاها

لئن ماتت فما ماتت حلاها ... وإن أودت فما أودى علاها

وابن زاكور يدعو الرحمن لقبر هذه السيدة بل الفتاة الكريمة التى لبست حلل المكارم أن ينزل عليه غيث الرحمة، وينضّر مضجها ويملأه رونقا، إذ هى فتاة صدق وفضائل عظيمة، ولقد كانت تحض كل من حولها على المعالى والأعمال السامية، وقد طوى الموت شمسها


(١) النبوغ المغربى ٣/ ٢٨٠.
(٢) النبوغ المغربى ٣/ ٢٩٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>