للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آذاه من شعراء المشركين إلا من أعلنوا إسلامهم، ودعاه أن يقدم على رسول الله تائبا. وشرح الله صدره للإسلام، فقدم المدينة وبدأ بأبى بكر، فوقع من نفسه «فلما سلّم النبى صلى الله عليه وسلم من صلاة الصبح جاء به وهو متلثم بعمامته، فقال: يا رسول الله! هذا رجل جاء يبايعك على الإسلام، فبسط النبىّ، صلى الله عليه وسلم، يده، فحسر كعب عن وجهه، وقال:

هذا مقام العائذ بك يا رسول الله! أنا كعب بن زهير. فتجهّمته الأنصار وغلّظت له، لذكره قبل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحبّت المهاجرة أن يسلم ويؤمّنه النبى صلى الله عليه وسلم، فأمّنه رسول الله» (١)، وأنشده مدحته الخالدة:

بانت سعاد فقلبى اليوم منبول ... متيّم إثرها لم يفد مكبول (٢)

فكساه النبى صلى الله عليه وسلم بردة اشتراها معاوية من أبنائه بعشرين ألف درهم، وكان يلبسها الخلفاء بعد معاوية فى العيدين (٣). وقد اكتسى بها كعب حلّة مجد لا تبلى، ولقّبت قصيدته من أجلها بالبردة. ونراه يستهلها بالغزل، إذ يذكر سعاد وفراقها وأن قلبه مرتهن عندها فليس له فكاك، وكأنه يتأثر أباه فى بعض غزله إذ يقول فى إحدى قصائده (٤):

وفارقتك برهن لا فكاك له ... يوم الوداع فأمسى الرّهن قد غلقا (٥)

ويلحّ فى وصف سعاد ويشبهها بالظبى ويشبه ريقها بالخمر، متأثرا فى ذلك أباه فى نفس القصيدة، كما تأثره فى الحديث عن إخلاف صاحبته لوعدها.

ويخرج من ذلك إلى وصف ناقته مستلهما ما نظمه أبوه فى هذا الموضوع من قبل. وما زال ينعت ناقته حتى قال يصوّر خوفه وفزعه من رسول الله:


(١) ابن سلام ص ٨٣ والشعر والشعراء ١/ ١٠٤ وانظر الأغانى ١٤/ ١٤٢.
(٢) انظر القصيدة فى ديوان كعب (طبعة دار الكتب المصرية) ص ٦. ومتبول: مغرم. وبانت: فارقت. ومكبول: مقيد.
(٣) ابن سلام ص ٨٧ والشعر والشعراء ١/ ١٠٦ والإصابة ٥/ ٣٠٢.
(٤) ديوان زهير (طبعة دار الكتب) ص ٣٣.
(٥) غلق الرهن: لم ينفك أبدا.

<<  <  ج: ص:  >  >>