للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فما الظن بمن لا يدرى بأى يد يأخذ كتابه، أفّ لهم قد ضلوا وأضلّوا، وسقطوا فى ذلك وزلّوا، اللهم اشهد أننا تبرّأنا منهم تبرؤ أهل الجنة من أهل النار».

غير أن عهد المأمون سرعان ما انقضى وعاد الخلفاء وشيوخ الموحدين إلى أن ابن تومرت هو الإمام المهدى المعصوم، وظلت دعوته حية إلى أن قضت عليها الدولة المرينية. ويقول القلقشندى بعد عرضه لأسلوبى الرسائل المستخدمين أيام الموحدين: «ثم طرأ بعد ذلك الإكثار من الألقاب لخلفائهم فى المكاتبات الصادرة عنهم والمبالغة فى مدحهم وإطرائهم (١)» وفات القلقشندى أن يذكر أيضا الإكثار من ألقاب المرسل إليه إذا كان حاكما كبيرا، ويوضح ذلك فى عصر الدولة المرينية رسالة للسلطان أبى الحسن المرينى كتبها إلى السلطان المصرى الناصر محمد بن قلاوون خادم الحرمين حينذاك فى شأن ركب الحجاج المغاربة ومصحف خطّه بيده ووقفه على الحرم النبوى الشريف، والرسالة تستهل على هذه الصورة (٢):

«من عبد الله على أمير المسلمين ناصر الدين، المجاهد فى سبيل رب العالمين، ملك البرّين، مالك العدوتين (المغرب والأندلس) ابن مولانا أمير المسلمين، المجاهد فى سبيل رب العالمين، ملك البرّين، وسلطان العدوتين أبى سعيد بن مولانا أمير المسلمين، المجاهد فى سبيل رب العالمين، ملك البرّين وسلطان العدوتين أبى يوسف يعقوب بن عبد الحق، منح الله التأييد مقامه، وفسح-لفتح معاقل الكفر، وكسر جحافل الصّفر-أيامه. إلى السلطان الجليل الكبير الشهير العادل الفاضل الكامل الكافل الملك الناصر المجاهد المرابط المؤيّد المنصور الأسعد الأصعد الأرقى الأوفى الأمجد الأنجد الأفخم الأضخم الأوحد ناصر الدين عاضد كلمة المسلمين، محيى العدل فى العالمين، فاتح الأمصار، حائز ملك الأقطار، مفيد الأوطار، مبيد الكفار، هازم جيوش الأرمن والفرنج والكرج والتتار».

ويستمر طويلا فى إضفاء مثل هذه الألقاب عليه مع ما يطوى فيها من مبالغات، ويذكر أن أباه قلاوون العظيم ويكيل له هو الآخر الألقاب. ويدعو له ويسلم عليه قائلا: «أبقى الله ملكه موصول الصولة والاقتدار، محمىّ الحوزة حاميا للديار، حميد المآثر المأثورة والآثار، عزيز الأولياء فى كل موطن والأنصار، سلام كريم، زاك عميم، تشرق إشراق النهار صفحاته، وتعبق عن شذا الروض المعطار نفحاته، يخصّ إخاءكم العلىّ، ورحمة الله وبركاته». وتمضى الرسالة بعد ذلك مسجوعة من أولها إلى نهايتها، والسجع فى الرسائل بالمغرب قديم منذ عصر الموحدين.

ويظل فن الرسائل مزدهرا فى عصر السعديين، ويجمع الأستاذ عبد الله كنون طائفة كبيرة


(١) صبح الأعشى ٦/ ٤٤٦.
(٢) النبوغ المغربى ٢/ ١١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>