للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منار حتى لا يضلّوا الطريق السوى المستقيم عن الهداية الراشدة الصحيحة، وسرها المكنون، لنشرها فى السهول والحزون وكل مكان حتى يسعد الناس فى الدنيا والآخرة، ويشيد بالرسول الكريم ثم يدعو لابن تومرت الله ليرضى عنه، ويسميه الإمام المعصوم المهدى المعلوم. والرسائل الموحدية جميعا تذكره فى فاتحتها وتضفى عليه هذه الصفات التى أضفاها على نفسه مقترضا لها من بيئة الشيعة الإمامية، ويقول إنه قام بدعوته ونشرها فى الناس بتأييد الله، وإن عبد المؤمن خليفته سار على هداه وما وضع للدعوة من المبادئ والمراسم المحفوظة. ونراه يقول فى وصف ابن تومرت فى الرسالة: «إن رسول الله صلّى الله عليه وسلم بشّر بعلامات المهدى وأخبر عن أماراته الشاهدة له الدالة عليه من الاسم والنسب والزمان والمكان والفعل» وكان ابن تومرت لفّق له نسبا- كما يقول المؤرخون-يصله بالرسول صلّى الله عليه وسلم ويقول أيضا عنه: «القائم فى آخر الزمان بعد شمول الضلالة وتلدد (تلبث) الحيرة وتموّج الفتنة وارتفاع العلم وفشوّ الظلم. فظهر لما خصّه الله به من الهداية، وعلّمه من الحكمة، وأحلّه مقام العصمة ونوّله (١) من معقل الإمامة، وخرق له من العادات، وأجرى على يديه من الآيات، ما صدّق ما نطقت به الآثار، وتضمنته الأخبار، واحتوت عليه الصحف وتداولته النقلة، مما أعطى القلوب العارفة الطمأنينة». ويشيد بدعوته وأنها ستظل قائمة إلى قيام الساعة، كما يشيد بيوسف خليفة أبيه عبد المؤمن الناشر لدعوة ابن تومرت والحامل العباد على طريقته المنصور المظفر دائما.

وتظل الرسائل الموحدية تبدئ وتعيد فى فواتحها بالإشادة بابن تومرت وأنه الإمام المهدى المعصوم إلى أن تولّى المأمون إدريس الخلافة سنة ٦٢٦ هـ‍/١٢٢٩ م، فأعلن إلغاء هذه الألقاب لابن تومرت وأزال اسمه من السكة وخطبة الجمعة، وأذاع فى الدولة رسالة بذلك من إنشائه، يقول فيها (٢):

«من عبد الله إدريس أمير المؤمنين ابن أمير المؤمنين ابن أمير المؤمنين إلى الطلبة (دعاة الموحدين) والأعيان والكافّة ومن معهم من المؤمنين والمسلمين، أوزعهم (٣) الله شكر نعمه الجسام، ولا أعدمهم طلاقة أوجه الأيام الوسام (٤)، وإنا كتبناه إليكم-كتب الله لكم عملا منقادا، وسعدا وقّادا-وللحقّ لسان ساطع وحكم قاطع، وقضاء لا يردّ، وباب لا يسدّ، وظلال على الآفاق، تمحو النفاق، والذى نوصيكم به تقوى الله والاستعانة به، والتوكّل عليه، ولتعلموا أننا نبذنا الباطل وأظهرنا الحق، وأن لا مهدى إلا عيسى بن مريم (يقصد أنه تكلم فى المهد) الناطق بالصدق، وتلك بدعة قد أزلناها. . كما أزلنا لفظ العصمة عمن لا تثبت له عصمة، وأسقطنا عنه وصفه ورسمه. . وإذا كانت العصمة لم تثبت عند العلماء للصحابة،


(١) فى الأصل: نواه.
(٢) النبوغ المغربى ٢/ ١١١.
(٣) أوزعهم: ألهمهم.
(٤) الوسام: الحسان.

<<  <  ج: ص:  >  >>