للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهى تنمّ عن ولائه لدينه الحنيف وأنه أسلم وجهه لربه، جل جلاله، الحافظ الذى يكلأ عباده ويقيهم الأذى، ولعلّ فى ذلك ما يدل دلالة واضحة على مدى تأثير الإسلام فى نفسه وفى شعره. وديوانه يدل-كما يدل تأخره فى إسلامه-على أنه كان فيه شر كثير، إذ نراه دائما فى شعره الجاهلى مفاخرا متوعدا مهددا، حتى إذا أسلم أخذت نفسه تصفو، وأخذ يستشعر معانى الإسلام الروحية، وما دعا إليه من الخلق الفاضل، حتى لنراه فى الهجاء نفسه يعلن لهاجيه أنه يصفح الصفح الجميل، سائقا له، لا من الشتم والسباب، بل من الحكم، ما يحاول به أن يكفّ أذاه عنه، يقول (١):

إن كنت لا ترهب ذمّى لما ... تعرف من صفحى عن الجاهل

فاخش سكوتى إذ أنا منصت ... فيك لمسموع خنا القائل

فالسامع الذامّ شريك له ... ومطعم المأكول كالآكل

مقالة السّوء إلى أهلها ... أسرع من منحدر سائل

ومن دعا الناس إلى ذمّه ... ذموه بالحق وبالباطل

ولا تهج إن كنت ذا إربة ... حرب أخى التجربة العاقل (٢)

فإنّ ذا العقل إذا هجته ... هجت به ذا خبل خابل

فهو ينهاه أن لا يجعل الصفح عنه سببا إلى سوء القول، حتى لا يجنى على نفسه ما هو أقبح أثرا وأبقى وسما، ويقول إن الذين يبسطون ألسنتهم بالهجاء سرعان ما يرتد عليهم هجاء أقذع وأمرّ، هجاء بالحق وبالباطل. وهو فى ذلك كله يأخذ بأدب القرآن ورسوله عليه الصلاة والسلام من العفو والصفح ومن التقريع لمن يهجوه بدلا من الطعن فى الأعراض سنّتهم القديمة.


(١) الخزانة ٤/ ١٢ والاستيعاب ص ٢٢٧ والحيوان ١/ ١٥.
(٢) الإربة: الدهاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>