للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أهل الضّعة. وما رأيت الناس مجتمعين على حمده فاجتلبه، وما رأيتهم مجتمعين على ذمّه فاجتنبه، والأعدل الأقسط، أن تسلك السبيل الأوسط:

وما المرء إلا حيث يجعل نفسه ... ففى صالح الأعمال نفسك فاجعل»

والرسالة من والد فقيه قاض يأمل لابنه مستقبلا علميا يرفعه بين العلماء، وهو يدعو له أن يتجمّل بالعلم والتقوى ويزدان بهما، فهما الزينة الحقيقية للإنسان، ويقول له إنه سيكافئه مكافأة ترضيه، إذا وجده على ما يتمناه له من حسن الحفظ والأداء اللغوى للكلام، ويذكر مكافأة ترضيه، إذا وجده على ما يتمناه له من حسن الحفظ والأداء اللغوى للكلام، ويذكر له أن ما يتمناه الشاب فى المستقبل من الراحة والطمأنينة لا ينال براحة الجسم والكسل، ويقول له: ادرس وتعمق فى الدرس حتى يأتى يوم ترؤس فيه أقرانك واحفظ المتون والعلوم تحفظ، وأكبّ على القراءة يرق فكرك وترق بين الناس، أما إذا ركنت إلى الكسل والدعة كنت من أهل الضّعة والانحطاط والخسّة. وإذا رأيت الناس يجمعون على مدح شئ وحمده فاجتلبه واكتسبه، وإذا رأيتهم يجمعون على ذم شئ فاجتنبه وابتعد عنه. ويقول له إنه ينبغى لك دائما أن تتخذ لنفسك فى الحياة السبيل الأوسط، حتى لا يتلوّمك أحد على الإفراط والمبالغة فى شئ ولا على التفريط والتقصير فى شئ، فخير الأمور الوسط. ويذكر له أن كل شخص يضع نفسه فى المنزلة التى يختارها لنفسه، وينبغى أن تضع نفسك دائما فى خدمة الأعمال الطيبة الصالحة. ويرسل أبو القاسم الحسنى الشريف فى العهد المرينى قصيدة مع رسالة فى شبابه إلى ابن هاني السبتى الذى مر بنا أنه توفى شهيدا فى جبل طارق سنة ٧٣٧ هـ‍/١٧٣٧ م ويرد عليه ابن هاني برسالة طويلة جاء فيها (١):

«هذا-بنىّ-واصل الله لى ولك علوّ المقدار، وأجرى-وفق أو-فوق إرادتك وإرادتى لك جاريات الأقدار، ما سنح به الذهن الكليل، واللسان الفليل، فى مراجعة قصيدتك الغرّاء، الجالبة السرّاء، الآخذة بمجامع القلوب، الموفّية بجوامع المطلوب، الحسنة المهيع (٢) والأسلوب، المتحلية بالحلى السنيّة، العريقة المنتسب فى العلا الحسنية. . وإنك واحد حلبة البيان، والسابق فى ذلك الميدان يوم الرهان، فكان لك القدم، وأقرّ لك مع التأخر السابق الأقدم، فو حقّ فصاحة ألفاظ أجدتها حين أوردتها، وأسلتها حين أرسلتها، وزنتها حين وزنتها، وبراعة معان سلكتها حين ملكتها، وأصّلتها (٣) حين فصّلتها، ونظام جعلته بجسد البيان قلبا ولمعصمه قلبا (٤)، وهصرت حدائقه غلبا (٥)، وارتكبت رويّه صعبا. . بنىّ! كيف رأيت للبيان هذا الطّوع، والخروج فيه من نوع إلى نوع، أين صفوان بن إدريس، ومحلّ


(١) النبوغ المغربى ٢/ ١٥١.
(٢) المهيع: الطريق البين.
(٣) أصلت: أبرز.
(٤) القلب: السوار يكون نظما واحدا.
(٥) هصر: جذب وأمال. غلبا: كثيرة الأشجار.

<<  <  ج: ص:  >  >>